في أول رد فعل له على قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في 18/12/2016 القاضي برد الطعن المقدم على قرار إقالته، غرَد هوشيار زيباري وزير المالية المقال على حسابه على تويتر يوم أمس قائلا: “للاسف خسرت الطعن الذي قدمته الى المحكمة الاتحادية العراقية ب 6 أصوات مقابل 3 أصوات”. وأضاف: “الان أنا مواطن عادي بعد 13 عاماً من العمل من أجل العراق الجديد”.
وتكشف هذه التغريدة بجلاء عن العقلية التي سادت العراق بعد عام 2003، والتي جاءت مع المحتل معتقدة إنها أمتلكت الارض وما عليها، وإنها خالدة في هذا النعيم الذي قدم لها على طبق من ذهب. ولم تعتقد يوماً بانه زائل، وانهم سيغادرون السلطة أبداَ، رغم كل النصائح التي قدمت لهم من الناصحين مرددين عبارة “لو دامت لغيرك لما وصلت اليك”، لا بل نصحهم ايضاَ رؤوساء مخضرمين من أمثال الرئيس حسني مبارك الي قال لك (لا تثق بالامريكان)، كما ذكر زيباري نفسه في أحدى المقابلات التلفزيونية، لا بل أكثر من ذلك، فقد جاءت التصيحة من قلب الادارة الامريكية، عندما خاطبتهم كوندليزا رايس وزيرة الخارجية انذاك عام 2006 قائلة: لو تركناكم لعلقوكم العراقيون على أعمدة الكهرباء.
الا إن الغرور قد ركب هذه الطبقة السياسية التي ظلت بعيدة عن الشعب بعد السماء عن الارض، ولم يخرج احد منهم ليطلع على أحوال المواطنين يوما ما، بل ظلوا أسرى المنطقة الخضراء التي أنشأها لهم الاحتلال أصلا.
وكيف لا، وقد فقدت هذه الطبقة شعورها الوطني لسنوات طويلة في دول المهجر واللجوء، حتى إقتنعت إن صفة المواطنة هي مذمة وشتيمة ونقيصة يجب أن يسعى السياسي لابتعاد عنها قدر الامكان، لذا نراه يأسف للخسارة التي جعلته مواطن عادي، ويذكر بخدمته طيلة 13 عاما، وهي في نظره خدمة طويلة يأسف عليها كثيراَ. وقد نسي أو تناسى الكثيرين من الكفاءات التي أبعدتهم إدارته في الخارجية والمالية طيلة هذه المدة. واسمائهم تملأ المواقع الالكترونية كالدكتور عبد المجيد العنبكي وغيره الكثير.
أو تريد أن أحدثك عن خدمتي يا هوشيار؟ وقد كنت أنت سبباَ في إنهائها بفعل تصرفاتك الادارية الظالمة أنت وحاشيتك التي ضمت مجموعة من الحاقدين والجهلة التي ضنّوا إنهم قد إمتلكوا علم السماء، ولم يكونوا يعتقدون بأن هناك من هو أفضل منهم. والحقيقة، فإن خبرتهم قد إقتصرت على الخداع والتضليل وإيذاء الناس/ أمثال محمد الحاج حمود وأسعد السعودي ومحمد الحميميدي ورياض الاعظمي ومحمد علي الحكيم وغيرهم، والذين كانوا يركبون كل مركب من إجل منافعهم الشخصية، وقد سبق لجميعهم أن كانوا مع البعث ، ثم كانوا أول من صفق للامريكان، ثم إنضموا للاكراد وهم أبعد الناس عن هذه القومية ، ولا أدري إذا إنضموا لايران الان أو لغيرهم غداً، والذين نقلت الكثير منهم لوزارة المالية لاحقاً.
أأحدثك عن 35 عاماً في خدمة العراق بصمت وشرف؟ أم أحدثك عن عشر سنوات في ممارسة مهنة المحاماة (1987-1997)، وبشهادة نقابة المحامين ، في الوقت الذي رفضت أنت وطاقمك إضافتها لخدمتي الوظيفية ، وماطلتم طيلة سبع سنوات بشتى الحجج ، على الرغم من صدور قانون بذلك برقم (65 ) لسنة 2007؟
أم أحدثك عن خدمة تدريسية جامعية لعشر سنوات أخرى (1996-2006) في أقليم كردستان مدرساً في كلية القانون – جامعة دهوك، أو بالاحرى موسساً لقسم القانون فيها، حيث أمضيت سنة كاملة في الاعداد لمستلزمات إنشاء هذا القسم في ظل أصعب ظروف العراق أنذاك، وفي النهاية عهدت رئاسته لرجل دين معمم من كلية الشريعة، وكل مميزاته إنه كردي ومطيع لتعليمات الحزب.
أم تريدني أن أحدثك عن ثماني سنوات من الخدمة العسكرية طيلة زمن الحرب العراقية الايرانية (1981-1988)، يوم كنت أنت ورفاقك خارج العراق تطالبون بعدم رفع العقوبات الاقتصادية عن شعب العراق، لا بل وتختلقون الحجج والتبريرات لغزو العراق وإحتلاله.
لا بل والانكى من ذلك، انكم منعتم من علاجي في الخارج على نفقة الحكومة بعدإصابتي بإنفجار عام 2007، في الوقت الذي صرفتم للاخرين لاصلاح مؤخراتهم.
35 عامأ قضيتها في خدمة العراق، في مجتمع يدعو الكثير من أفراده الى رفع الظلم عنهم وهم أنفسهم يظلمون. في مجتمع لا يريد الكثير منهم أن يعطي الفرصة لمسيحي، في الوقت الذي يصرخون فيه من ظلم صدام، وهم لا يعلمون بأنهم مظلومون وظالمون معاً، وانهم سرعان مايتحولون من المظلومين الى الظالمين في لمح البصر.
وتتحدث اليوم عن العراق الجديد، وانتم قضيتم على العراق القديم الذي إستمر 80 عاما بجهود المخلصين والصادقين من مختلف الملل والنحل في العراق.
إن المواطنة شرف يا هوشيار، وإن الانتماء للعراق بحد ذاته شرف لايعلوه شرف، وإن الشرف يطلب لذاته لا بقصد التمتع بالامتيازات. فالشريف سواء أكان رجل أو إمرأة أنما هو إنسان إرتضى التضحية بالماديات، وهو خاسر في هذا المجال ليحظى بهذا الامتياز المعنوي. لذا فالانسان إلغربي في أميركا واوربا عندما يواجه أي مشكلة مع الادارة فإنه يحتج بعبارة (أنا مواطن شريف).
أن هذا الكلام ينطبق على جميع سياسيي عراق اليوم الذين أضاعوا فرصة تاريخية للبناء والتقدم، لا أستثني منهم أحداً الا الذين ذكرتهم في أول مقال لي بعد التغيير عام 2003 والذي رفضت جميع الصحف نشره أنذاك، وكان بعنوان ( سيفوزمن أتى شعبه بقلب سليم).