من المؤكد أنَّ كلّ الذين درسوا الصحافة والإعلام ” جامعياً ” , وكذلك الذين مارسوا العمل الصحفي ” مهنياً ” في الجرائد والمجلات , فأنهم على درايةٍ اوسع من غيرهم بكثيرٍ وكثير عن طبيعة ومميزات < العمود الصحفي > الذي لا تخلو منه اية صحيفةٍ في دول العالم , وحيث أنّ ” العمود الصحفي ” يمتاز بمساحة محددة في الجريدة وتتسم كتابته بسرعة الهضم ! والسلاسة وسهولة التعبير والمرونه , ويفتح نافذةً للنقد الساخر بجانب تناول فحواه للشأن العام او للتعبير عن رأيٍ او خاطرة او فكرةٍ ما , وهنا ودونما استرسالٍ في المواصفات الفنية للعمود كثبات العنوان وأسم الكاتب وموعد النشر وما الى ذلك , لكنه ومنذ الأحتلال الأمريكي ” وانبثاق ! ” وصدور عشرات الصحف التي بلغت اعداها نحو المئة وخمسين جريدة , والتي جرى تسميتها في حينها بِ ” فورة صحفية ! ” , وقد جرى ذلك بتشجيعٍ ودعمٍ ماليّ فاضح من قوات الأحتلال وسواها ايضاً ! , حيث لعبت تلك الصحف وما برحت دوراً فاعلاً في تشتيت الرأي العام العراقي وتمزيقه إرباً .
وبالعلاقة غير الجدلية بين العمود الصحفي وتلكُنّ او هذه الجرائد , فقد فقدَ العمود الصحفي الكثير من وزنه وانتابه النحول ! كما ضعفت قيمته ” القرائية ” , حيث استغلت الأحزاب الفرصة بأصدار صحفها المفاجئة وتنصيبها لرؤساء تحرير غير اكفّاء والكثير منهم بعيدٌ عن المهنة , وكذلك فأنّ بعض التجّار قد امتطوا صهوة الصحافة وجعلوها أسوأ من كبوةٍ للعمود والمقال الصحفي والتحقيق الصحفي ..الخ . حيث صار تأطير الكلمات بشكلٍ عمودي دونما اية مراعاة لمواصفات وسمات العمود الصحفي ومضامينه . ومنْ جانبٍ آخرٍ , وبعدَ إدخال شبكة الأنترنيت في العراق وظهور وإشراقة المواقع الألكترونية الأسرع كثيراً وكثيراً في بثّ ونشر الأخبار , وكذلك المقالات الصحفية المختلفة الإتجاهات والتي اجتازت وتجاوزت كلّ التصنيفات الصحفية ” اكاديمياً او مهنياً ” , فعبرَ هذه المواقع فقد جرى ” تلقائياً ” الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت ” على سماحة السيد < العمود الصحفي > او كأنه تاه في الفضاء الخارجي دونما عودة .! , بالرغم من أنّ ما تنشره المواقع الألكترونية يضمّ اعمدةً صحفيةً ومقالاتٍ وسواها , لكنها من دونِ تأطيرٍ عموديٍ للفحوى او المضمون , وهنا تتأتى نوعية وكفاءة القارئ المتابع في كشفِ مفاتن العمود والتناغم والتزاوج ” شرعا ” مع المضمون .!
من الطريفِ أنّ بعض المؤسسات الصحفية تقيم بين احايينٍ وأخرياتٍ , مسابقاتٍ صحفية لإفضل عمودٍ صحفيٍ حديث , دونما إدراكٍ عفويٍ لما تحتويه المواقع الألكترونية الإخبارية لما يجسد او يغدو في صدارة الأعمدة الصحفية .!
إنّما ولكنما , فقبلَ وبعد ” العمود الصحفي ” , فهنالك أعمدةٌ اخرى أكثراهمية وأشدّ صعوبة , فهنالك أعمدة تُعلّق عليها الجثث ” احياناً ” وهنالك اعمدةٌ كهربائية متقاعدة او خارج نطاق الخدمة ! , والأخطرُ من الأخطرِ فهنالكَ اعمدةٌ سياسيةٌ لا يمكنُ هزّها وهي التي تتحكّم بشدّة الحلكه .!