جلسَ “شجاع” بجانب سريره في إحدى ردهات المستشفى التخصصي لمدينة من دول المهجر بإنتظار الممرضة التي ستأخذه الى صالةِ العملياتِ الكبرى، حيثُ ستجرى له عملية قال له الطبيب المعالج حينها بأنها ستكون حرجة!!!.
تذكرَ كيف أنه قد أهملَ صحته كثيراً حين كان يشعر ببعض الآلام في رأسه لكنه لم يكن يبالي بها ـ ـ !!.
تذكرَ وحدته القاتلة منذُ وصوله الى هذه المدينة قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً مضت وكأنها الدهر بطوله ـ ـ !!.
راجع حياته كلها، وتوقف عند لحظة إستدعائه لخدمة الإحتياط في بلدهِ وإرساله الى الحرب التي لم يعلم لحد هذه اللحظة لماذا أبتدأت وكيف إنتهت ـ ـ ـ !!!، لكنها بكلِ تأكيد أخذت منه أحلى سنوات شبابه، وكادت أن تفقده حياته لمرّات عديدة، وحيثُ كان الموت يأتيه قابضاً على روحه لكنه كان يزاوغه ويراوغه في كلِ مرّة متهرباً منه!!!.
عندما قرّرَ “شجاع” تركَ بلده الذي لم يكن يشعر يوماً ما بأنه سيمنحه الرفاه والطمأنينة كمكافئةٍ له على هدره لشبابه (للدفاع) عنه ـ ـ !!، تردد قليلاً في إتخاذ القرار خوفاً من النتائجِ ـ ـ !!، لكنهُ أدرك وبسرعة بأنّ ما يعيشه الآن من سنواتٍ ما هي إلاّ كرم من الخالق!!، حيثُ من المفروض أن يكون راقداً بأمان في لحدهِ منذُ زمن بعيد جداً!!!.
قال في نفسه: “يا الله ـ ـ شراح أخصر ـ ـ هو شنو عندي حتى أخصره”!!!.
عاد بذاكرتهِ الى السنوات الأولى من وصوله الى بلد المهجر وكيف أنه عمل في أحقر الأعمال وهو الحاصل على بكالوريوس هندسة زراعية!!.تلمّسَ رأسه الحليق ليتحسس الورم الذي يريد الجرّاح إستئصاله في هذه العملية!!، لكنهُ إبتسم في ذاته مدركاً من أنّ الورم قد ظهر في الفحوصات الشعاعية والرنينية داخل جمجمته وليس خارجها!!!، هزّ رأسه مستهزئاً بجهالة حركته اللاإرادية!!!.قاطع سرحانه صوت الممرضة الناعم مردداً إسمه ـ ـ ولأول مرّة شَعَرَ بحلاوةِ إسمه!! ـ ـ التفت اليها مؤكداً ضنّها ومبتهجاً بجمالها الذي أعطاهُ الشعور بالتفائل والسعادة على أنه (سيغفوا) بعد قليل على صورة وجهها مثلما كان يفعل وهو صغير عندما كانت والدته تأخذه في حضنها!!!.
في صالة العمليات وقبل أن يفعل المخدر فعله خاطبه الطبيب الجرّاح مستفهماً ومكرراً لسؤاله الذي طرحه عليه قبل أيام ـ ـ هل أنتَ مدرك لنوع العملية وخطورتها؟!.
أجابهُ “شجاع”: أعتقد ذلك، إنها لورمٍ في المخ!!.
نظرَ اليه الطبيب نظرة تأمل إخترقت حواسه، وسأله ثانية: هل أنتَ خائف من الموت؟!!.
تفرسَ “شجاع” في وجوه الكادر الطبي المحيط بسريره، فلم يستطع قراءة تعابير وجوههم إن كانت لملائكة الرحمة أم ملائكة الموت؟؟؟!!!.
أجاب “شجاع” طبيبه بثقة “كلاّ”، فالموت عندي قد فقد “هيبته ووجله” منذُ زمنٍ بعيدٍ!!!.
بادرهُ الطبيب بسؤاله: من أي بلدٍ أنتَ؟.
قال “شجاع”: أنا من العراق ـ ـ !!.
تمتم الطبيب مبتسماًً ـ ـ إذن سوف لن تموت!!!.
إنتباهة:
(1): كتبتُ هذه القصة الرمزية ـ التعبيرية بإسلوب سردي بسيط لكن بدلالات ومعاني عميقة، وحيثُ رغبتُ في إيصالها لجميع القرّاء الأعزاء بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم الفكرية، فعسى أن أكون قد وفقتُ للهدف منها.