يسهل علينا السخرية من نتائج الاختبارات المدرسية خاصة عندما نقيم اداء شيء معقد كتعقيد النظام التعليمي . يقوم بكل جرأة وشجاعة برنامج تقييم الطلاب الدولي المسمى (بيزا)(pisa ) الذي تديره منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهو تجمع يضم بشكل رئيسي الدول الغنية يقوم عادة بإجراء اختبارات لأكثر من نصف مليون طالب بعمر 15 سنة في ثلاث مواد: الرياضيات والقراءة والعلوم لإعطاء تصور عام عن السياسات المدرسية في كل دولة من هذه دول
وتظهر مجددا النتائج الاخيرة التي نشرت في السادس من ديسمبر 2016 منجزات رائعة في شرق اسيا حيث ان طلبة سنغافورا متقدمون بمقدار ثلاث مرات تقريبا على اقرانهم في الولايات المتحدة في مادة الرياضيات ويرجع البعض الفروق في النتائج في هذه البلدان الى المحيط الاسري والى التربية الفطرية ولهذا السبب ليس بإمكان واضعي السياسات فعل الكثير لتحسين اداء التلاميذ. و من الطريف في الاسبوع الماضي رجح احد المعلقين مازحا بان الدرس المستخلص من البيزا هو ان بقية العالم يجب ان تتعلم كيفية استخدام عودان الاكل الصينية ( chopsticks )في اشارة الى تفوق الجنس الاصفر. وفي الحقيقة تقدم البيزا نصائح وارشادات قيم على كيفية مساعدة الطلبة على التعلم .
تعتبر التربية الفطرية للتلميذ من الامور المهمة ولكن هذا لا يعني ان النجاح حكرا على طلبة شرق اسيا فقط. فقد سجلت أيستونيا اعلى النتائج في عموم اوربا بالرغم من انه في استونيا تلك الاعواد لا تستخدم في المنازل ولكن تستخدم في بعض المطاعم وجاءت نتائج ايستوانيا ايضا مشابه لنتائج اليابان
ان برنامج البيزا عادة يعلمنا الامور غير الصالحة في التعليم فمثلا صرف المزيد من الاموال لها علاقة بالنتائج الجيدة ولكن فقط في الدول الافقر. ومن بين الدول التي انفقت اساسا اكثر من 50000دولار عن كل طالب خلال فترة التعليم في المدرسة تبين ان الاموال وحدها لم تجلب أي تحسن والامر ايضا ينطبق على مدارس القطاع الخاص اذا شملها برنامج البيزا
كما يعلمنا برنامج البيزا الامور الصالحة ايضا حيث انه من فرضياته اساسا ان الامر المهم في التعليم هو ما يجري داخل قاعة الدرس ان الطلبة الناجحين هم من يتلقون غالبا تعليما جيدا ويبدون اهتمام بذلك التعليم . في الدول الفقيرة يعني هذا غالبا شمول الاناث بتلقي هذا النوع من التعليم . اما في الدول الاغنى فهذا يعني تقليل التهرب من الدراسة والتغيب . فقد تبين ان الطلبة الايطاليين كانت نتائجهم ضعيفة ويرجع السبب في ذلك جزئيا الى تغيب اكثر من نصف الطلبة على الاقل مرة في كل اسبوعين . كذلك يتطلب الامر تشجيع المدرسين على الحضور. أما احد اسباب تسجيل طلبة بونس ايرس اكبر نسبة تفوق في البيزا لان المدينة تمكنت من سحق اضرابات الاساتذة بعرض صفقة عليهم . وهي ان المدينة ستعاملهم معاملة مهنية اذا تصرفوا كأساتذة. وقامت المدينة بتحسين التدريب والرواتب. ويتفق الاساتذة على ان تميزهم في مهنتهم سيحدد الترقية و ليس النقابات . ان تحسين نوعية التعليم امر اصعب . . المعلم الناجح هو من يعمل على تحسين نوعية التعليم . ففي استراليا تزامن هبوط نسبة النجاح في البيزا مع هبوط نتائج امتحانات المتقدمين من المعلمين الى التدريب . ويعتبر تعلم الاستاذ عن عمله هو ايضا امر من الامور المهمة ولا يقل اهمية. ومن مزايا المعلم الناجح طرق التدريس المستندة الى الدلائل والممارسة والتدريب والتغذية الراجعة
يميل الطلبة الفقراء الى عدم الاجادة في برنامج البيزا ولكن تأثير الفقر امر يمكن التغلب عليه . وهبط تأثير الخلفية الاسرية على نتائج البيزا في الولايات المتحدة اكثر من هبوطه في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الاخرى خلال العقد الماضي. ويعكس هذا جزئيا نمو الاستقلال الذاتي الممتاز ولكن الممول من طرف الدولة للمدارس المعترف بها في المدن الكبرى. وكما كان لجهود الرؤساء المتعاقبين لجعل المدارس تتحمل مسؤوليتها كان له بعض الاثر في ذلك . في ايستوانيا حقق نصف الاطفال الفقراء تقريبا النتائج التي تضعهم في المرتبة الرابعة من بين دول المنظمة . واحد اسباب ذلك يرجع الى نقص الاختيار حسب القدرة . وجعل العديد من انظمة المدارس ذات الاداء العالي بداية التعليم الرسمي
في سن السادسة او السابعة مركزة بدل ذلك على التربية العملية والالعاب. ولكن بعد ذلك يجعلون الطلاب يتعلمون المواد الاكاديمية حتى تصل اعمارهم الى 16. وحتى في سنغافورة حيث بإمكان الطلبة الاختيار في وقت مبكر السلك المهني تصر المدارس على العمل الجاد الاكاديمي بالإضافة الى العمل التطبيقي
و يدعي بعض واضعي السياسات ان اختبارات البيزا غير منصفة مثلهم في ذلك مثل الاطفال المدللين الذين فشلوا في احد الامتحانات. بلا شك البيزا لا تستطيع ان تغطي او تتعامل مع كل الجوانب التعليمية المهمة . انها تقدم ادلة ولا تقدم ضمانات عمل . انها شأن جاد ومفيد من اعمال التكنوقراط . الا ان السياسيين الذين يهملونها يديرون ظهورهم على الحقائق القوية.