يعد التظاهر، والإحتجاج السلمي من سمات النظام الديمقراطي، وقد مارسنا هذا الحق، بعد سقوط النظام الديكتاتوري، بحرية تامة وبحماية قواتنا الأمنية، ففي كل جمعة نشهد تظاهرات في بغداد، ومدن العراق الأخرى، فالدستور العراقي كفل حق التظاهر السلمي؛ لكنه لم يكفل الإضرار بمصالح الناس، وممتلكات الدولة.
ما زلنا نتذكر بالأمس القريب، تظاهرات المحافظات الست كما يعبرون، تحت شعار التهميش والظلم، ثم تطورت إلى إطلاق شعارت طائفية، والحث على الكراهية، ثم تطور الأمر، إلى “قادمون يابغداد” وكاد يتحول الشعار إلى حقيقة، حين إستغل الدواعش، تلك المنصات، فكانت راياتهم ترفرف وسط المتظاهرين، وكادوا يصلون إلى قلب بغداد، بعد أن إقتربوا من أسوارها.
اليوم ترفع شعارات، كلا للظلم، والفساد، لكنها من جهات أخرى، مشتركة بالعملية السياسية، وصاحبة نفوذ في الدولة، والشارع، في كل حين يرفع شعار، مرة لتشكيل حكومة تكنوقراط، وأخرى في المطالبة، بإستبدال المفوضية العلياللإنتخابات، نعم تلك المطالب حقة ومشروعة، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فالهدف السامي، والمطالب المشروعة، لا تبرر اللجوء إلى الفوضى، وتعطيل مصالح الناس، وقطع أرزاقهم، بل وقطع الأعناق، وإشغال القوات الأمنية بحرب داخلية، لا ناقة للمواطن فيها ولا جمل، كما حصل في المظاهرات الأخيرة، ويتسائل الجميع من المسؤول، عن ذلك، ومن يتحمل إراقة تلك الدماء؟
التهديد بدخول الخضراء، أو الإقتراب منها، أو قصفها بالهاونات خطأ كبير، وإن كان فيها الفاسدون، إلا أنها تمثل رمز للدولة، فسقوطها يعني يسقوط العراق، في مستنقع مجهول، فتهديد الخضراء لن يحقق مطلبا، بل يعقد الأمور، ويجلب الفوضى، ويزهق الأرواح، ويشوش على المعركة الأساسية والكبرى، ضد الدواعش في الموصل.
إذا كانت التظاهرات الأخيرة، لتغيير المفوضية العليا للإنتخابات، فهي منحلة ضمن التوقيتات الرسمية، في العشرين من أيلول، ومن ناحية فإن أغلب الكتل السياسية، متفقة على تغييرها، والنقاش هو في البدائل.فهذا الأمر لا يحل بالتظاهرات، بل بالتفاهمات بين القوى السياسية، والجلوس إلى طاولة الحوار، ولكل معضلة حلول، حين يغلب العقل والمنطق.