22 نوفمبر، 2024 2:05 م
Search
Close this search box.

لامفر لا خروج 

غرفة واسعة تنتشر فيها قطع من اثاث قديم ،(جارسون)  يدخل يتبعه خادم وينظر حواليه ثم يسأل جارسون الخادم اين ادوات التعذيب يجيب الخادم ماذا تقصد ياسيدي؟ يقول جارسون :أقصد الحمم والاسياخ المحمية هذه الاشياء التي كانوا يصفوها لنا قبل ان ناتي إلى هنا ..
يجيب الخادم :إني مندهش كيف تصدق كلام ناس عن مكان لم ياتوا اليه ابدا . ثم تدخل الانسة إينيه لنفس الغرفة وتعتقد أينيه بأن جارسون هو الجلاد المسؤول عن تعذيبها. ويحدث جدل بينها وبين جارسون حول سبب إحضارها لهنا، ثم تدخل استل امراة جميلة عاشت في الطبقة الارستقراطية . يكتشف الثلاثة بأنه حكم عليهم البقاء معا في غرفة واحد .رجل وامراة تحب النساء وامراة تحب الرجال .يبدأون بالتعرف على بعضهم وكل منهم يروي قصتة وسبب مجيئة الى هذه الغرفة وكانت حكاياتهم كلها كاذبة وملفقة .عن حياتهم وكيف كانوا نبلاء وشرفاء في الدنيا ويكتشف بعضهم الاخر بانهم يكذبون على بعض . ويكتشف  الثلاثة بأن الحياة بينهم مستحيلة  فهم مختلفون بالامزجة والطباع والتفكير ولا شي يجمعهم مطلقا .
هنا تصرخ إينيه لماذا نحاول ان نلقى الغبار عن وجوه بعضنا نحن مجرمون قتلة وإننا بالجحيم وهم لا يرسلون احدا إلى هنا عن طريق الخطا يجب ان نعرف الاسباب التي تديننا .
ثم تقول إينيه :انها عرفت ماهو الجحيم .إنه ليس تعذيب جسدي وليس بيننا جلاد يتولى تعذيبنا .ربما لأنهم هنا يعانون من قلة الايدي العاملة ،فأضطروا إلى وضع أسلوب جديد في التعذيب وهذا الاسلوب يقضي بان يتولى كل منا نحن الثلاثة  تعذيب الاخر  حين يكذب على الاخر ويخونه ويسلب ثقته حين يسمع ويرى اشياء لا تعجبه ولا يحبها حين يسرق احدنا من الاخر روحه ونبله إن كلا منا هو جلاد الاخرين. جان بول سارتر فيلسوف الوجودية احدى قصصه واسمها لاخروج لامفر  ينقلها الكاتب الكبير احسان عبد القدوس في كتابة (السعادة ليس لها تاريخ )في حوار فلسفي  يلخص سارتر  فكرته بأن الجحيم هوالاخرين، ليس النار  وحمم الجحيم والاسياخ وطرق التعذيب البشعه لقصص تتحدث عن العالم الاخر وهوله ومصائبه .الجحيم الذي أمن به سارتر هو ان تحيا في مجتمع غير منسجم معك بالفكروالروح والانتماء أن تسمع كذبهم وهم يدعون الصدق ترى تدينهم وهم يضمرون الدجل والنفاق أن تقرأ فضائلهم وهم يمارسون العهر . الحياة وسط ناس تشعر بالغربة معهم تفقد ذاتك وروحك ووجودك فلا تقدر على الانتماء لهم او الانفصال عنهم وأنت معرض للتهديد دوما .الجحيم ان تحيا كما يريد الاخرون ان تفكر معهم ان تنتمي لقطيعهم ليسلبوك طهرك. الجحيم الذي عناه سارتر هي محنة التفكير بصوت عالي لتناقش وتنقد وتفند ما يعتقده الاخرون بأنه الصحيح والمقدس طريق صعب شائك وعر ان تبقى لوحدك وسط ضجيج الاخرين وفوضاهم . ما نمر به يوميا هو لون من ألوان الجحيم اذا لم يكن اعمقها واسؤءها .وأنت يوميا تفقد جزء من انسانيتك ونبلك امام توحش المجتمع. لذلك اصبحنا لا نخشا اي جحيم لأن يسرق وجودنا ويصنع منا وحوش ببقايا بشر وسط جحيم الاخرين وظلمهم  .
ومضة :
لا أحد يعرف أن البعض يبذلون جهودا جبارة لكي يكونوا مجرد أناس عاديين.
ألبير كامو 

أحدث المقالات