تبرهن الأحداث الجارية في الساحة الأمنية العراقية على ترهُل الخطط الأمنية والعسكرية وفشلها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن وسلامتهما، فسلسلة التفجيرات المتكررة التي تضرب قلب البلد النابض بغداد أو أي بقعة أخرى من بقاع الوطن ما هي إلا دليل دامغ على ضعف المنظومة الأمنية وقياداتها ذات الصلاحيات المنتهية في وقفِ تدفُّق شلال الدم وزيادة معدل الضحايا. وبالنظر إلى الموقف الأمني من زاوية سياسية يتضح أمامنا مشهد دراماتيكي يتكرر بين الفينة والأخرى، فاتفاق الأطراف السياسية فيما بينها يضمن للمواطن ديمومة الحياة وأماناً مؤقتاً تنتهي مدته مع تناحر تلك الأطراف، وكأنه باختلاف الكتل السياسية المنضوية تحت قبة البرلمان أو التي تتحد لتشكّل أضلاع الدولة يدفع المواطن البسيط ضريبة هذا الاختلاف دماءً وأموالا ويزف أرتالا من الشهداء لا يمكن أن تتوقف عند حدٍّ معين وأصبحت تشكّل مادة دسمة وأرقاما قياسية تزيّن صفحات الكتاب والمواقع الإخبارية المتخصصة بالشأن الأمني والسياسي العراقي كما أصبحت محط دهشة القارئ والمتلقي.
فالجميع ضمن إطار المشروع السياسي العراقي مختلف في توجهاته ومخططاته ومساعيه لكن تتجلى نقطة التقاء ومركز اتفاق لا نتذكر أن تخلّف عنه أحد من الساسة والبرلمانيين والقادة الأمنيين وهي أنّ أرخص بضاعة يمكن تسويقها ولا يمكن أن يبالي لخسارتها أحد ولا تدخل ضمن اهتمامات طرف هي حياة المدني العراقي، فالعراق وبعد قرابة الأربعة عشر عاما منذ سقوط نظام صدام لم يتمكّن من زيادة صادراته النفطية ولم يستطيع إيجاد منتوج يصلح للتصدير غير أرواح الشهداء التي تزهق وتعلو إلى بارئها لتكون شاهداً على بشاعة الزمرة الحاكمة وظلمها والتي فاق حجم فسادها التوقعات وأصبحت آفة تنخر جسد الدولة، وهنا لا أطرح رأيا ولم آتِ بضربٍ من الخيال فعجز الحكومة عن الخروج من المأزق الأمني وسيناريو تصريحات النواب المعتاد مع كل فاجعة أو انتكاسة تعصف بأمن المواطن.
وخير مثال على تلك التوجهات والتخرصات المشهورة والتي أصبحت ماركة مسجلة وعلامة مهمة تشير إلى أصحابها “سبعة في سبعة ” و ” لا داعي للتسوية حتى يكون هناك تفجير في الأعظمية كما يحدث في مدينة الصدر وغيرها ” ما هي إلا دليل واضح على ضعف الانتماء الوطني، ومرض العقلية السياسية وامتلاء القلوب بالحقد والكراهية حتى نسي أصحاب تلك التخبطات أنّ الدم الذي يسيل في الكاظمية والشعب هو الدم ذاته الذي يفترش شوارع وأزقة العامرية والمنصور ولا يفرّق بينهما انتماء أو مذهب ولا حتى طائفة بل يحمل صفة ومسمىً واحداً هو دم أبناء العراق.
وهنا تختلف أفكار أبناء الوطن الذين حملوا على عاتقهم همَّ الوطن والمواطن، تختلف في إيجاد الحلول الناجعة لوقف مسلسل نزيف الدم بالإضافة إلى تشخيص أماكن الخلل ووضع برنامج شامل؛ لإنقاذ البلد من فساد الساسة وتضميد الجرح الذي أدمى القلوب، وهنا سيسجل التأريخ أنّ الشهداء كتبوا على جبين العزة أنّ مستقبل العراق خُطت صفحاته وأزهت ثماره بدماء الأبرياء، وأنّ الأرواح التي تزهق ستبقى وصمة عار وشاهداً حياً على فساد من هم في دَفة الحكم.