ان الاسلوب المتبع للاعلام والقضاء اسلوبين متعاكسين الا انهما يؤديان الى نفس النتيجة فالاعلام يتبع اسلوب العلانية والسرعة في نشر المعلومة للحصول على السبق بينما القضاء يتبع اسلوب التريث والتأني في اصدار الاحكام لكن كلاهما يبحث عن الحقيقة
وهذا الاختلاف في الاسلوب بالتعامل مع القضايا خلق نوع من التحسس والحذر في التعامل فيما بينهم مما نتج عن رمي تهم جزافاً بحق القضاء ،وغالباً ما تكون هذه التهم اما عن جهل بالعمل القانوني او لغرض النيل من نزاهة القضاء واستقلاله ،
فغالبا ما يتهم الاعلام القضاء بالصمت والسكون والتاخير في حسم بعض القضايا المهمة واستغراق الزمن الطويل للوصول الى نهايات او احكام ناجزة،
قبل الخوض في الدخول بتفاصيل اعمال القضاء لابد من الاشارة الى ان مايربط الاعلام بالقضاء اكثر مما يفرقه على اعتبار ان كلاهما يمثلان حصانة المجتمع كما ان نزاهة وعدالة القضاء ومهنية ومصداقية الاعلام يقودان الى صيانة المجتمع وحفظ هيبته وبالتالي يجب ان يكون هناك وقفة جدية وحقيقية للاعلام في مساندته للقضاء ،مثلما كان للقضاء الدور الواضح في وقفته مع الاعلام ومساندته له في الحصول على المعلومات وكذلك في ضمان حقه في التعبير عن رايه ولايمان القضاء باهمية الاعلام
في تاثيره بالراي العام وكشف الحقائق سعى الى تشكيل محاكم متخصصة لقضايا النشر والاعلام
وفي عودة الى بدء وتوضيحاً لما يتهم به القضاء من البطء في الاجراءات وحسم الدعاوى فالمتعارف عليه ان القضاء هو مطبق للقانون وان السقوف الزمنية الموضوعة خلال سير الاجراءات في المحاكم وجدت لاتاحة الفرصة للخصوم لتقديم ادلة اثباتهم ولغرض الاعتراض ونقض الاحكام وضمان عدم صدور احكام سريعة قد تلحق الضرر بالخصوم ولكن بعض الخصوم يسيئون استعمال هذه القواعد مما يؤدي الى تاخير حسم الدعوى كما ان عدم توفر الادلة وتاخير حضور الشهود يسهم في تاخير حسم الدعوى لذلك فان اسباب التاخير لايمكن رميها بملعب القضاء وحده وانما يشترك معه اطراف اخرى قد يكون من ضمنها صاحب الدعوى
وبهذا الخصوص لابد من الاشارة الى نقطة مهمة غفل او تغافل عنها الكثير من الاعلاميين عندما يتسرعون بنشر معلومات اولية بقصد الحصول على سبق صحفي عن قضية لاتزال في طور التحقيق او المحاكمة فنجدهم يحكمون حكما مبدئيا في هذه القضية ويؤلبون الراي العام لصالح ما يعتقدونه او ما سيستفيدون منه ماديا او معنويا مستخدمين اساليب التأثير العاطفية في نفوس المواطنين مثلما حدث في قضية الحكم على طفل في السماوة بسرقة الكلينكس بالسجن لمدة عام لقاء سرقته لعدد من علب المناديل الورقية من احد المحال التجارية في المنطقة (وقامت الدنيا ولم تقعد)
قضية هذا الطفل اشعلت الجدال في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام منتقدين حكم القضاء العراقي في التوافق بين القيمة البسيطة للمناديل التي حوكم من اجلها الطفل بالسجن عاما ومايحدث في البلد من سرقات هائلة لمسؤولين كبار تصل لملايين الدولار متناسين او متغافلين عن مضمون القضية وحيثيات الدعوى التي تبين ان الحدث اعترف بثلاث سرقات سابقة وهي عبارة عن مجاميع لعلب المناديل الورقية وحفاظات اطفال ليقوم ببيعها بمبالغ نقدية قدرها ستون الف دينار، اضافة الى سرقات اخرى بمبالغ مالية اقل من ذلك”، كما ان “الحدث اعترف بذلك في مرحلة التحقيق والمحاكمة وقد جرت محاكمته من قبل محكمة الاحداث وفقا للمادة 444 اولا وثانيا من قانون العقوبات اضافة الى هذا كله ان هذا القرار الصادر بحق الحدث خاضع للتمييز الو جوبي أمام محكمة التمييز الاتحادية .
البلد يعيش في ازمة وعلى الجميع التكاتف والتعاضد للخروج منها ويحب تهدئة الخطاب الاعلامي بكل ما يخص السلك القضائي
وعدم التشكيك في عمله لكونه صمام امان المجتمع واذا فقدت الثقة فيه اهتزت عدالته فيلحق البلاء للجميع وهو المستقر في جميع البلاد حيث ان للقضاء حصانته واستقلاله واحترامه وتقديره .
ويجب على الأعلام التريث في نقل المعلومات ونشر الاخبار والتقليل من النشر العشوائي والمبالغات الممزوجة بالتطرف والتي تصور مجتمعنا وكأنه مجتمع بهيمي لا هم له ألا الجرائم والشهوات