من المعروف ان الكلب، يشكل حضورا كبيرا لدى صاحبه، فهو يدافع عنه في أي مكان وفي أي وقت حينما يتعرض لخطر.. ولا يهم الكلب فيما اذا كان صاحبه على خطأ او كان قاتلا، هو ينفذ ما يراه، ارضاءا لسيده الذي يتعرض لموقف مخجل او خطير، يحرص الكلب على حماية وسلامة سيده أينما كان وبشكل دائم ولا يهمه ماذا يحصل في العالم.
هذه الصورة تنطبق تماما مع الكثير من الذين وضعوا أنفسهم في موقف الكلب أعلاه الذي يدفع الخطر عن سيده المسؤول، وهولاء في الغالب لا يريدون اي شيء من سيدهم غير ان يكون راضيا عنهم، تماما مثل قصة الكلب الذي يلهث في سبيل أن يحصل على لقمة بسيطة.
هولاء الذين اختاروا ان يكونوا ويشكلوا موقفا واضحا مثل موقف الكلب، لا يفكرون كثيرا بالامتيازات ولا يمتلكون طموحات كبيرة، وهو المسعى الأكثر أهمية في تفكير الإنسان أن يحقق طموحه من أجل هدف ما، هدف نبيل يسعى ان يشكل من خلاله وعيه وحضوره الاجتماعي وعلاقاته بالناس، ويحافظ بذلك عن كرامته من أي أذى او موقف.
شكلت مواقع التواصل الاجتماعي، طريقا مختصرا للترويج السياسي وهو شيء طبيعي ومنطقي وجدته الأحزاب في ظل كل هذه الثورة المعلوماتية الكبيرة، لكن هذا الترويج كان قد تحول على طريقتهم والتي يطلق فيها كلابهم الالكترونية للنباح لكل من يحاول الاقتراب منهم وهي طريقة رخيصة في حماية انفسهم هكذا، في ظل هذه الميديا الواسعة التي كشفت عن رائحتهم النتنة.
لكننا اليوم أمام تحولات كبيرة أحدثت ضجة في أوضاعنا الفوضوية التي تشهد احداثا غير منطقية هي الأخرى، دفع به الجيل السياسي الحالي نحو الهاوية ونحو تدمير ما تبقى من القيم والمفاهيم الإنسانية، من أجل مصالحه الشخصية التي يسعون من خلالها الى الاستثمارات والصفقات المشبوهة.
أنتجت هذه الفوضى السياسية في البلاد ظاهرة غير حضارية وهي كما يبدو ستؤثر بشكل واضح على العلاقات الاجتماعية بين الناس، وهي الجيوش الالكترونية التي بدأوا ينتبهون من خلالها لحجم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت منبرا اجتماعيا مؤثرا في الأحداث، في الوقت الذي يقف فيه القانون خجلا وعاجزا عن أيجاد مخارج حقيقية لاكتشاف ما يحدث في البلاد.
ومهمة هذه الجيوش الالكترونية تأتي في المقام الأول الترويج للسياسي وللحزب، ويدافع عنه مثلما يدافع الكلب عن صاحبه، ولعل ابرز ما يمكن ملاحظته لشخصيات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحولوا في يوم وليلة الى نجوم كبار وبطريقة غريبة، وبات يركض خلفهم الكثير من المتملقين الذين تحولوا فيما بعد لكلاب الكترونية مهمتها الدفاع بشراسة في كل الظروف الممكنة وجميع الأحتمالات.
ويشكل هولاء بمثابة جدار ناري لا يمكن إيقافه، مهمتهم هو نشر الدعاية الكاذبة وتسقيط الخصوم السياسيين وكل من ينتقد المسؤول الذي سرق ونهب، وهولاء اغلبهم خريجون لا يملكون فرص عمل لكن الظروف وصلت بهم لهذه المرحلة المؤسفة، ووجدوا في هذا الطريق فرصة للعمل، فهم لايفكرون على الأغلب فيما يحصل، غير انهم تحولوا الى ماهم عليه، ينهشون كل من يقترب من سيدهم اللص الكبير الذي يسرق الاموال ويدفع لهم، الأمر لا ينطبق على الجميع بالتأكيد.
تؤثر تلك المفاهيم وهذه الظاهرة على الحياة الاجتماعية للناس، تحول الجميع في لحظة واحدة الى بيادق الكترونية، لكن هولاء الذين تحولوا الى مجرد أدوات بسيطة، هم الضحية الأولى في حلقة الخراب التي يصنعها هولاء.
ثمة شواهد وأحداث كثيرة يمكن ملاحظتها على بعض الشخصيات السياسية، مع أحداث حصلت وأحدثت تأثيرا لدى الرأي العام، لطالما تعلق بعضها بملفات فساد كبيرة والكشف عن فرق ومجندين ومحتالين بهذا الخصوص، استخدموا مواقع التواصل من أجل التغطية على الفساد والعمليات المشبوهة.
إيقاف هذه المشكلة التي بدأت تتنامى بشكل واضح، هو تشريع قوانين جديدة تتلائم مع ما انتجته الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي، ووضع برامج مراقبة هائلة للسيطرة على هذه الفوضى، مثل التي في اغلب البلدان، لكن من يضمن وضع رقابة دون ان تتحول تلك الرقابة الى كم للأفواه، ودون ان تتحول السلطات القانونية الى حائط صد لحماية الفاسد ويتحول الموضوع الى تهديد ووعيد ضد الناس وضد ممن ينتقد السياسات الخاطئة في البلاد ومنعهم من الادلاء بأصواتهم كشهود عيان يحاولون تدوين افعالهم وحياتهم اليومية بشكل عفوي.