18 نوفمبر، 2024 3:16 ص
Search
Close this search box.

لف البرغي

يجتمع صديقان فوق تله مرتفع يكسوها الثلج بالكامل ، الصقيع يلف المكان ، فيطلب من صديقته ان تشاركه الزحافة الصغيرة المكسوه بالجوخ الأحمر القاني .. ترفض بشده .. يتوسل وهي ترفض وأخيرا ترضخ لهذه المخاطرة وهي تبحلق بلهوة المرعبة أسفل التل ،، تطير الزحافة كالرصاصة. ويشق الهواء وجهيهما فيلفحهما ويعول ويصفر في آذانهم ويعربد ويخزهم الالم من شدة غضب سرعة الانحدار ، وكاد ان ينتزع الهواء الرؤوس من فوق الاكتاف . ومن شده الريح لم يعودا يقويان على التنفس يبدو وكأن الشيطان بنفسهِ قد طوقهما بيديه وأخذ يشدهم نحو الجحيم وهو يزأر فتندمج الأشياء المحيطة بهما في شريط طويل سريع راكض ويخيل لكلاهما أنهما سيلقيان حدفهما بعد لحظة ، وسط كل هذا الصخب المرعب المتسارع وهو يطوقها بذراعيه يقترب منها مقاوما الريح  فيقول بصوت خافت لها .. (أحبك يا ناديا!)…. وتقل سرعه الزحافه شيئا فشيئا ويهدأ كل شي ويصلان بسلامه الى اخر المخاطرة وتستقر الزحافة بسلام في اخر التله فتحاول الوقوف بجسدها المترنح رعباً .. ولكنها ترمقه بنظرات متسائله أهو من قال تلك الكلمات ام خُيل لها ؟! وهو يدرك انها سمعت ،، ولكنه لايبدي اي تأكيد او اهتمام ؟! زارعا الوهم والظّـنٓ فيها.. فيدفعها للطلب منه رغم الخوف والرعب الذي عانته ان تكرر التجربة ؟! فيلبي رغبتها وتعاني نفس الخوف والرعب وتسمع نفس الكلمة ( احبك يا ناديا) وتصل الى نهايه التل وهي شاحبه مرتجفه ويهدأ كل شي وتمعن النظر في ملامحه فتجدها لامباليه فتختق وترغب بالبكاء لانها للمره الثانية لم تتاكد هل سمعت ام توهمت فتقرر ان تكرر المحاوله مره ثالثه وعاشره وفي كل مره تسمع نفس العباره وعندما تنتهي المخاطرة ينتهي كل شي ولم تعد متاكدة من شي . 
وسرعان ماتتعود( ناديا) هذه الجمله رغم انها ظلت تخاف الهبوط من التل ولكن الخوف والخطر أصبحا يضفيان سحرا خاصا على كلمات الحب . يوما بعد يوم بدأت تكرر التجربة منفردة وهو يراقبها عن بعد ولا يعلم هل تسمع (ناديا) تلك الكلمات وتخدع  نفسها ام لأتسمعها وأدركت انها متوهمه؟! يبدو ان الامر سيان لها المهم انه ادرك انها تواجه الخوف بالامل وتسمع مايجعلها قويه وتنتصر على مخاوفها . وياتي الربيع وتصبح الشمس اكثر رقه ويذوب الجليد ويتحول لون التل من الأبيض للأخضر ولا يعود ( لناديا) المسكينه مكان تسمع فيه تلك الكلمات ،  وذات غسق يمر بجوار بيتها.. فيلمحها وهي تقف على دٓرج المدخل وتتطلع بوجهها الى السماء وبنظره حزينه ملتاعه تلفح رياح الربيع وجهها الشاحب المكتئب وتتمنى ان تسمع الكلمات وتحن للثلج ولكلمات رياحه فإذا به وهو يسرق النظر اليها.. ينتظر الرياح.. فيقول (احبك ياناديا)….. فتعجب لما حدث؟! كيف تغيرت الأحوال بالفتاه؟! وأصبحت متهلله وسعيده وفي غايه الجمال .. بعدها غادر الى الأبد لبلده اخرى وكانت أخبارها تأتيه متقطعه، يقال انها تزوجت وأم لثلاثة اولاد، ولكنه متاكد انها صنعت من تلك الأيام اسعد وأرق وأروع  ذكريات حياتها،أما هو بعد هذا العمر الطويل لتلك المغامرة فهو لايفهم لماذا قال تلك الكلمات ؟! ولأي غرض كان يمزح ؟!  

(هذا مختصر لقصه تشيخوف الرائعه ” مزحة” ) . ما أود قوله ببساطه اننا قدنحتاج لتجاهل الحقائق التي قد ترتقي في بعض الأمور لليقين وخصوصا تلك التي فيها خيبه كبيره وانكسار أكبر وتقتل الأمل فكم من صدمات أطلعتنا على حقائق تخص المقربين وتخص مستقبلنا واحلامنا ونتجاهلها لأننا نرغب ان نحتفظ بالامل وان كان عن طريق إقناع أنفسنا بوهم ، وكم من مريض تجاهل يقين العلم في نهايته وانتصر على مرضه بعد ان اقنع نفسه بوهم بدا بسيط ولكنه زرع داخله أمل كبير فنحن نتيجه مانفكر فيه في آخرِ المطاف .. وكم هذا الأمل الذي اساسه وهم يتحول لقوه كبيره تنتصر على الخوف والقلق وتمنحنا قوه قد لاتدرك نحن أنفسنا أن اساسها وهم ..كم زوجه اليوم توقن بان زوجها لايكترث لأمرها ولايتمسك بها إن واجهته بخيانته وتوهم نفسها انها تتجاوز عن أخطائه وبأنه يعيش النزوات ولا تعترف  بانه يحب غيرها وتستمر في حياتها هكذا بكل بساطه بسبب الوهم وتخلق جوا نفسيا يناسبها ولا يدركه زوجها وإلا لإطاح بمملكتها دون ان يرمش له جفن محققا رغباته في الحب ، إذن  وعدم تتبع الحقائق للنهايه فيه فضل لابأس به في احيان.  منذُ طفولتي وطوال أيام المراهقة  كنت اخاف درس اللغه الانكليزية ولا احبه الى اليوم ولكني اجتاز الامتحانات وأحافظ على مستوى يتطلب مني الحد الأدنى لحصولي على نظام ( الاعفاء العام ) الذي كان معمولا به حتى السنه الماضيه في مدارسنا العراقيه  هل تعلمون الوهم الذي كنت اقنع نفسي به؟! كنت اقنع نفسي اني اقرأ عربي !! اي والله وكنت اكتب كل شي مطلوب ان نحفظه بالإنكليزي اكتبه لفظا بالعربي !!!! واعيش الوهم .. واحصل على ما اريد من درجه أمان تؤهلني للتفوق ..خدعه عقليه يسرت الأمل وقتلت الخوف والقلق رغم اني لازلت اكره اللغه الانكليزية ولا استخدمها الا للضرورات القصوى بحكم الموقف . . ليس الوهم سئ دائما يمكن استخدام نسبه منه غير مضره  لدفع ضرر كبير ولا تنسو في علم الميكانيك لا تلف البراغي الى اخرها وتترك مسافه للتمدد وعوامل الجو والزمن لأي آلة .. فلنتبع النظرية الميكانيكية مع الحقائق لنزرع الأمل وتجتاز الخوف قد نحقق الهدف ولا داعي( للف البرغي) لآخره .       

أحدث المقالات