(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له)
من طبيعة الإنسان البحث عن السلامة والنجاة من المخاطر التي تحيط به، فنراه دائب التفتيش عن سبل النجاح وطرق التفوق والتقدم، معتمدا على إمكاناته الذاتية وعلاقاته الخارجية، مستندا الى المشورة عاملا مثابرا لا يهمل شاردة ولا وارده لنجاح مطلبه. هنالك منعطفات وعوامل تؤثر في حاضر الناس ومستقبلهم وكلا من هذه المفردات لها تأثير واضح جلي وبالغ، يلقي بظلاله على سبل عيش المجتمع وطرق تعامله. في البعض من هذه المتغيرات يكون المجتمع غير ملام كالظواهر الطبيعية والأوبئة والأمراض الفتاكة وطغيان الدول العظمى الى حد ما، كونها هي من تختار الوقت لا المجتمع. واما البعض الاخر من المنعطفات الخطيرة في حياة الشعوب مثل تشريع القوانين وقرارات الحروب وخلق الأصنام وتفريق الكلمة شق الصف والتهريج للسلاطين ولذوي المال. فان الشعوب ملامة عليها. وان هذه الأمور لا تقل فتكا في المجتمع عن نظيراتها من الكوارث الطبيعية. قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ . .فبينة الآية ان ناقل الخبر ان لا يكون فاسقا والفاسق من كثر كذبه وقل صدقه. فلا نبني الاحكام دون معطيات وثوابت مع التأني والصبر لكي يتحقق الخلاص الجماعي من الفتن ومضللاتها.
وقد ابتلي المجتمع بقوم اسوأ من قبلهم حتى كانوا مصداق الآية (كلما دخلت امة لعنت أختها). والأدلة التي اشار اليها القران كثيرة (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبالَ). فان لم يكن الناس ممن يؤمنون بالقران الكريم ولا يعتبرون به، فلينظروا الى الامثال الشعبية التي هي ملخص تجارب الشعوب، وهي حق بما لا يقبل اللبس، وقد جعلها الله سبيلا اخر لهداية الناس ورشادهم ممن لا يؤمن برسالاته (ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون). وكما قال الشاعر أبو الحسن علي التهامي:
جاورت أعدائي وجاور ربه
شتان بين جواره وجواري
فاليوم يجب ان نعلم من نجاور ونحن نخوض تجربة الديمقراطية الأمريكية وساسة السيرك والبهلوانيين ممن تطفلوا على الواقع. فيجب أن نأخذ الأمور على محمل الجد في ما سوف يأتي، وان لا نصل الى النتيجة التي قالها الشاعر:
دعوت على عمرو فمات فسرني
وعاشرت أقواما بكيت على عمرو
ومع اقتراب مراحل الانتخابات بنوعيها المركزي واللامركزي. فقد بدأت الأحزاب وغيرها من الكيانات بنصب خيم السيرك، وجلب البهلوانيين المدربين جيدا، محاولين إبهاج الجمهور من خلال المواقف الكوميدية الساخرة من عقول الناس وإحزانهم وآلامهم، متعدين بذلك حدود الأدب والأخلاق، متبعين خطوات الشيطان التي بينها القران الكريم (حيث يقول: ما كان لي عليكم من سلطان ألا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم). فقد أصبحوا مهووسين في تمسكهم بالسلطة ونصب الفخاخ ولن يتخلوا عن مطلبهم ولو على حساب أي شيء. علما ان هذه الكيانات لا تمتلك الوسط الحاضن هذه المرة وهي بدون أدوات للتأثير على الناس. لأنها قد خسرتها في أحداث 10/6/2014 وما لحق بها من أحداث، كسقوط الموصل الذي ظل مبنيا للمجهول، والمحافظات التي سقطت كقطع الدومنة تتابعا. ما اثبت للجميع ان الكائنات لم تكن تعلم شيئا ولا تملك قراءة سياسية لخارطة الصراع الدولي في المنطقة. وكان ذلك واضحا من خلال التصريحات التي قدمها مسؤولو تلك الكيانات، والتي عبرت عن فهمهم القاصر وعدم درايتهم لأنهم يغطون في أحلامهم وملذاتهم. ومن جهة أخرى فقد نجحت حكومة الولايات المتحدة الامريكية في تركهم يتقاتلون على المطامع والمناصب، والتنافس غير المشروع في صراع فرض الإرادات بين أبناء الطائفه الواحدة أو العرق الواحد أو المكون الواحد. الا القليل منهم ممن كان لا يقبل الولايات المتحدة بشكل او بآخر رغم عدم درايته. فباتت هيئات الدولة غريبة الاطوار، فالقضاء أصبح أسرع من الضوء، والنزاهة لا تملك كتلة لانعدام الجاذبية، والمفوضية في مهب الريح، فلا رأس ولا رأس مال. واما الحكومة التشريعية والتنفيذية فقد دخلت في المتاهات الجدلية الفلسفية (للسيد والعبد). واستطاعوا من خلال هذه الفوضى ان يضلوا الناس (ضيعوا العركة بالحجار). وبات الشعب محتارا فالكل مفسد والكل مصلح والكل يقاتل. (وضاع ابتر بين البتران)، وللحديث بقية في جزء ثانٍ من مسلسل الانتخابات.
[email protected]