الموصل (رويترز) – اقتحم جنود عراقيون بوابة منزل في شرق الموصل وخرجوا بعد لحظات مع شابين تقيد أياديهما بأربطة بلاستيكية ويساقان إلى سيارة همفي سوداء.
ونفى الشابان اللذان يشتبه في أن واحدا منهما على الأقل ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية أي صلة لهما بالتنظيم المتشدد الذي طُرد مقاتلوه من الحي قبل بضعة أيام. كان يبدو عليهما الخوف الشديد وهما راكعان على الأرض.
وتجمع الجيران أغلبهم يحدق فيما يحدث ولا يقول أحد شيئا. أكد واحد من الجيران الاتهامات ووصف آخر أحد أشقاء واحد من الشابين بأنه “كلب ابن كلب”. واقتاد الجنود المشتبه فيهما إلى السيارة ومضوا بهما.
وقبل لحظات وعلى مسافة بضع مبان فقط ناشد أرمل في منتصف العمر بوجه متغضن قائد الجنود أن ينتقم له من تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقول إنه قتل شقيقه وزوجته وابنه.
*انقذونا منهم
صاح ملوحا بأمر إعدام أصدره التنظيم “أنقذونا منهم أنقذونا من هؤلاء الكفار.” ووقف الضابط ذو الملابس السوداء يستمع بهدوء قبل أن يحتضن الرجل الذي بدأ في النحيب على كتفه.
وتتكرر مثل هذه المشاهد في المناطق التي تتزايد أعدادها في شرق الموصل حيث تدفع القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية للتقهقر في إطار هجوم مستمر منذ ثلاثة أشهر تدعمه الولايات المتحدة ويهدف لاستعادة أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم.
وبالنسبة للمواطن العادي تمتزج مشاعر متباينة مع تقدم القوات الذي اكتسب قوة دفع منذ بداية العام الجديد.
فهناك دائما الشعور الأولى بالارتياح مع ابتعاد الاشتباكات عن باب منزله وهناك أيضا الشعور بالامتنان للقوات العراقية التي يحتفي السكان بأفرادها بتقديم أكواب الشاي المحلى بالسكر وبالقبلات.
لكن عادة ما تتدفق كذلك بشكل عفوي مشاعر الصدمة المتراكمة على مدة عامين ونصف العام من حكم المتشددين القمعي فيتذكر السكان القتل الوحشي لأحباء ونهب المنازل وتدميرها وقتل الأحلام.
البعض لا يخشى من نشر مظالمه أو الإشارة إلى المعتدين عليه لكن البعض الآخر أكثر توخيا للحرص إذ يخشى من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية الطلقاء الذين يراقبون.
وقُتل مئات وربما ألوف من المقاتلين المتشددين في معركة الموصل لكن السكان والمسؤولين الأمنيين يخشون من أن يكون بعضهم قد حلقوا ذقونهم وامتزجوا بالسكان المدنيين.
ورد جار كبير في السن على سؤال من رويترز عن الشابين اللذين اعتقلا من منزلهما يوم الأربعاء بأنه لا يعرف وعاد مسرعا إلى منزله.
* ترحيب بالجيش
حملة الموصل التي تشارك فيها قوات قوامها نحو مئة ألف مقاتل من القوات العراقية وقوات أمن كردية ومقاتلين شيعة هي أعقد معركة يشهدها العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
ومع سيطرة القوات الحكومية على أغلب القطاع الشرقي من المدينة بقي أغلب السكان في ديارهم أو انتقلوا بشكل مؤقت للإقامة لدى أقارب لهم في أحياء أخرى.
وعقد ذلك من مهمة الجيش الذي يتعين عليه القتال بين المدنيين وسط المباني وضد عدو استهدف غير المقاتلين واختبأ وسطهم.
وكثيرا ما يتوقف قادة جهاز مكافحة الإرهاب الذي قاد التقدم في شرق الموصل خلال زيارات للمناطق التي انتزعت السيطرة عليها من التنظيم المتشدد للحديث مع السكان والذين يعرفهم الكثيرون منهم بالاسم.
وأمام مسجد مدمر جزئيا في حي البلديات يوم الأربعاء رفع الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد جهاز مكافحة الإرهاب قبعته العسكرية وحيا رضيعا يشاهد الاشتباكات على جبهة القتال من فوق جدار حديقة.
وفي حي السكر القريب زغردت النساء من داخل منازلهن لدى مرور الساعدى وغيره من القادة. وفتحن أبوابهن على الفور لتقديم الحلوى للقوات.
وما زالت البقايا المتفحمة لمهاجم انتحاري متناثرة على أرض الشارع.
*بلاغات السكان
ويقول الجيش إنه عادة ما يعتمد على بلاغات من السكان لتحديد المتسللين من تنظيم الدولة الإسلامية. وأحد مواقع قيادة الجيش به خط هاتفي ساخن للمعلومات الأمنية كتب رقمه على جداره الخارجي.
وينقل المدنيون مخاوفهم إلى الجيش الذي يعتبرونه بمثابة مأمور شرطة المنطقة رغم أن تركيز أفراد الجيش يظل منصبا على المعركة.
وطلبات السكان عادة ما تكون مادية. فسيارة شاب علقت في الطين يطلب من الجيش جرها له. وسيارة آخر مصفوفة قرب جبهة القتال ويريد استعادتها فيطلب ذلك من الجيش.
وقال رجل كبير في السن “أرجوكم اخبروا أحدهم أننا بحاجة لمن يصلح ماسورة مياه على رأس الشارع لتعود المياه إلى منازلنا.”
وانقطعت إمدادات المياه عن العديد من المناطق لأسابيع والكهرباء غير متاحة سوى عن طريق مولدات ولساعات قليلة كل يوم.
وفي حي القادسية الثانية الذي استعادته القوات العراقية قبل شهرين وقف رجال من السكان خارج مدرسة يوم الأربعاء يبحثون مستقبل المدينة.
وقال أحدهم ويدعى علاء “الموصل تحتاج لحاكم عسكري… لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.”