اتنقل بين ازقة المدينة، فتأخذني تلك الاضواء بعيدا، فأسرح في غمرات الخيال، فتارة اتنقل بين خميلة واخرى، فلا ارى ادبا، ولا ارى شعرا، بل هو حواهما كلاهما، ليصبح الناظر اليه عاجزا عن ادراك مكنونه وما فيه!
تلك الازقة المتشابهة، والتي اكاد اتيقن في بعض الاحيان، إني ادور بنفس الدائرة، بين الازقة، ومتجولا فيها، ذهابا وإيابا! لولا تلك الاسماء على اللوحات التي تجعلني اقهقر وجعي قليلا، لاخاطب نفسي بأني لم أأتي من هنا، فهي تصيبني بالعجز من دقة التشابه الذي يمر في ارجاءها!
نسيم هواء الدروب في مدينتي، ليس له نسيم! فكل الوجوه تكفهر من حراراة المغيب، والشوق يشدها نحو المشيب، ليصبح العمر كتابا، لا لون فيه، بل اصفرار اوراقه، يدل على أثر عجيب، لثواني طفولة لا أدري ام شيبةٍ؟ اصطبغت بألوان النحيب.
جسور المدينة كأنها اجساد ملئت بالموت! وحطام سنين لطخت بالسواد، ليصم آذانها ضجيج الصوت!، فبين البائعة العجوز، والطفل ذو العربة الذي يجمع قوت يومه، حكاية حوت الف عنوان، وقلادة صبي طرزتها اخداش الرزم التي يحملها، لتطبع على يديه دماءا، بدل التميمة التي راح ينشدها في صغره، عسى ان تنبأهُ بفجرٍ جديد، وعيش رغيد، وحنان أم لطفل وليد، فمهما تقدم به السن سيبقى وليد.
اضواء المدينة والتي كانت في يوما ما، عبر تاريخ الازمنة السالفة، تشع بقهقة المتجولين، والتي خفيت من الوجدان، لتثار عليها رمال الاحزان، اختلطت بضوضاء المكان، وصخب الحقيقة التائه، بين اجراس النواقيس المتعددة، فجميع الموجات امتلأت بتراتيل فوهات البنادق، واصوات تلك العجلات التي تقف فوقها هامات الشوامخ، يوشحها علم البلاد، بلونهِ ولونهم.
اطفال مدينتي يلتحفون الوجع واليه يرحلون، ويبدأون كل صباح بأنتظار لغائب؛ لا يُعرف هل على سواتر الرمضاء أم بين السجون، وشماغ اب لف الهم في جنباته، في وطن يخون!.
لا ادري، هل الكتابة اكتبها وتكتبني؟ ام اطردها فتزعجني؟ ما بالها اُلاطفها فتزجُرني! فكل شيء فيهم محال، فبعد القطيعة لا شيء يقال، الا حروف هم رتلوها، رسموها، خلدوها، عطروها، بسوح النزال، لتكتب على جدران مدينتي {تزف شهيدها}.