18 ديسمبر، 2024 10:01 م

الملامح الماسونية في شعر السيد الخميني

الملامح الماسونية في شعر السيد الخميني

أود أن أنطلق من قول السيد الخميني في قصيدة له بعنوان البحر والسراب ليكون مفتاحا لمقالتي التي أتمنى أن يفهمها ذوي الألباب :
كل ما تعلمته وكل ما قرأته
لم يكن غير حجاب يتلوه حجاب
فكل الذي تقرأه عزيزي القارئ في مقالتي هذه يعبر عن رؤية تبلورت في مخيلتي وأنا أقرأ ديوان شعر للسيد الخميني ( من إصدار المجلس الأعلى للثقافة عن ترجمة علاء الدين منصور بإشراف المشروع القومي للترجمة بالعدد674 عام 2004 ) فأحبب أن أتشاركها معك سيدي وهي قد تحتمل الخطأ والصواب وهنا يأتي دور عقلك ومستوى فهمك , وقابليتك على تذوق الكلمة وفهمها على النحو الصحيح .
كما أود أن أنوه إلى أن جميع الأفكار والعقائد محترمة عندي وأنا هنا لا أنقد ولا أتهم أحد فالسيد الخميني مفكر مبدع وثائر بارع مهما إختلفنا مع وجهات نظره والفكر الماسوني محترم وفذ ولا غبار عليه ولا على معتنقيه فهو أصل البناء الحر للمجتمعات المتقدمة .
تتشكل المؤسسة الماسونية ( إذا جاز لنا استخدام كلمة مؤسسة ) من محافل منتشرة في كل بقاع الأرض ترتبط بمحفل رئيس واحد يتحدد حسب الطقس المُعتمد في المحافل فهنا طقس أيكوسي قديم ترتبط به كل المحافل العاملة بموجب هذا الطقس وهناك طقس اسكتلندي معتبر ترتبط به كل المحافل التي تعتقد بالطقس الاسكتلندي وهكذا , وكلمة ( محفل ) ماسونية بإمتياز وكل الدارسين للماسونية والباحثين عن أسرارها يعرفون ذلك ويؤكدونه لذلك وجدت من المستغرب أن يستخدم السيد الخميني كلمة محفل في الكثير من قصائده فهو في قصيدة عنوانها محفل المحترقة قلوبهم يضع المحفل كعنوان للقصيدة وفي قصيدة عنوانها ثمالة العشق يقول :
ولو أنت من أهل القلوب فأترك الصوفي والزاهد
فليس لغير هذه الطائفة طريق إلى هذا المحفل
ويقول في قصيدة عنوانها جام جمشيد :
أدخل محفلنا وأنهب قلبنا
وأنظر باطلنا المختمر بالماء والطين
ويقول في نفس القصيدة :
باعة الخمر أطهار سكارى تهدر قلوبهم
والمشايخ معصوبو العيون والآذان منكسو الوجوه
ولا يخفى على الدارس أن من أهم طقوس الماسونية عند تكريس الداخل إليها هو عصب العيون وتنكيس الرأس لينتقل من الظلام إلى النور من الضياع والفوضى إلى الحقيقة والنظام .
يعود السيد الخميني لاستعمال كلمة محفل في قصيدة بعنوان تجلى الكأس وهو يصف حبيبه المورد الخدين ( في إشارة إلى الداخل إلى حفل التكريس داخل المحفل لتلقي أسرار الماسونية ودرجاتها ) فيقول :
ذاك الحبيب المورد الخدين قد خطا بقدمه في محفلي
حتى يكشف سر قلبي أنا الزاهد
ليستمر في الإشارة إلى الطقوس الماسونية عند التكريس التي تبدأ بطرقات على باب قاعة المحفل طلبا للإذن بالدخول فيقول في نفس القصيدة :
فأطرق باب الشيخ غير أبه ولا متردد
ولا تدع شيخ مجلس الماجنين يرائي ويداهن
وهو هنا يشير إلى شيخ الطريقة أو رئيس المحفل ( الأستاذ المحترم ) بتورية ذكية وجميلة , ونستطيع القول أنه قد تأثر بالشاعر الإيراني العظيم حافظ الشيرازي ويسير على خطاه في بناء قصائد صوفية رائعة مليئة بالرموز والرسائل المشفرة التي لا يفهمها إلا المختص أو الذي توجهت له الرسالة , كان أروعها على الإطلاق هو إستعمال الفرجار والبيكار في كلمات القصيدة والتي تعد من أعظم الرموز الماسونية بل تمثل الشعار الرسمي للماسونية منذ أقدم العصور ولحد الآن حيث يقول :
ألا حسبك أيها البوم وأحبس أنفاسك في خرابتك
فأنني نقطة فرجار الحبيب في هذه الدائرة
وهو هنا يحاول أن يقلد حافظ لسان الغيب وترجمان الأسرار حينما قال في غزليته المعنونة ( حسنت بإتقان ملاحت حهان كَرفت ) والمترجمة ترجمة منثورة :
( لو إرتضيت عزلتي كما ارتضاها الفرجار يدور حول محيطه ولكن القدر جعلني في النهاية كالنقطة في وسط دائرته )
يستمر السيد الخميني في إرسال رسائل ذكية لبيبة للمختصين فيقول في قصيدة له بعنوان يوم الوصل :
ويتألق المحفل بأشعة وجهه فيغمر ما حوله نورا
ويبرح مخيلة الخلعاء كل ما عدا ذكر الحبيب
وهنا يشير إلى أشعة نور الشرق الذي يغمر كل ما حوله لينير العالم بنور الماسونية والتصوف وتتبدد سحب المطامع والغايات الدنيئة أمام أشعة شمس المحفل التي ستعم الأرجاء لتنير وجه
العالم بتجليات الله الواحد الأحد القدوس الصمد مهندس الكون الأعظم وهذا الذي يطمح إليه الأخيار من المتصوفة والماسون .
تختلط الأمور على السيد الخميني فينطق بكلمات صوفية غزلية رائعة حيث يشبه المحفل بوجه الحبيب ( الله ) في قصيدة دن الخمر ويقول :
أهذه دكة بائع العطر والطيب أم هو معبر الحبيب ؟
أهذا هو محفل القمر المنير أم وجه المعشوق ؟
من أروع الإشارات الماسونية وأبلغها التي نتلمسها في شعر السيد الخميني هي في قصيدة مكمن الأسرار الرائعة المليئة بالرموز الصوفية والماسونية وقصيدته الرائعة والمعنونة الكنز الخفي حين يقول :
أبِن لي السر وفك العقد وحل المُعمى
فقد قدمت من هذه البادية بلا صبر ومقدرة
ولكي أرحل من اللاشيء إلى كل شيء
مهتوسا طمعا في الكنز الخفي
يشير السيد الخميني إلى العمر الماسوني الذي يختلف عن العمر الزمني للإنسان ويشير كذلك إلى الدائرة التي تعتبر من أهم الرموز الماسونية في قصيدة شق الخرق فيقول :
إنني طاعن لكني شاب في الغمز بالعين
فألطف بي حتى أتجاوز دويرة الأفاق
يصل السيد الخميني إلى ذروة الأمنيات في قصيدة محفل الخلعاء ليصبو أن يكون كاتم الأسرار ( وهي درجة ماسونية محترمة ) ويقول :
سيحل ذاك اليوم الذي أكون فيه في
محفل الخلعاء السكارى كاتم جميع أسراره
يستخدم السيد الخميني في قصيدة الانتظار كلمة المحفل بذكاء ويورد كلمة ( خبير ) التي تمثل درجة ماسونية مهمة كما يستخدم كلمة ( فأس فرهاد ) والفأس أداة ماسونية ذات رمزية عالية .
لا يخفى على الباحث في شأن التصوف والماسونية مدى تأثر شعر السيد الخميني بشعر العظيم حافظ الشيرازي بل نستطيع القول أن السيد الخميني في أغلب قصائده الصوفية إستنسخ معاني كلمات حافظ فهو يقول في قصيدة عنوانها عروس الصباح :
فد أتى الهندي من الهند إلى ربعك
ليهديك ملك شيراز وطوس لقاء حبك
وهو هنا يستنسخ كلمات حافظ الشيرازي في غزلية ( اكر آن نرك شيرازي بدست ارد دل مارار بخال هندويش بخشم سمرقند وبخاراوا ) بترجمة منظومة :
لك الدنيا وما فيها أيا تركي شيراز
سمرقند لك الأخرى وتتلوها بخاراها
وبترجمة منثورة : ( لو أن ذلك التركي الشيرازي يأخذ قلوبنا بإشارة واحدة من يده فإنني من أجل خاله الأسود أهبه ( سمرقند ) و ( بخارا ) ) .
وبخصوص هذا البيت حدثت نكتة لطيفة حيث يورد المؤرخون وأصحاب التراجم أن تيمورلنك حينما دخل شيراز لأول مرة إستقدم حافظا إليه ولامه على قول هذا الغزل حيث قال : ( إنني سخرت أكثر الربع المسكون بحد السيف والحسام , وأما أنت فتهب موطني العزيزين سمرقند وبخارا إلى خال أسود على وجه تركي شيرازي.
فأجاب حافظ : بسبب هذه الهبات الخاطئة يا مولاي وأنا أقضي حياتي فيما أنا فيه من فقر ومسكنة …..
فضحك تيمورلنك وعفا عنه .
التساؤل الذي يجب أن يُطرح هو هل تأثر السيد الخميني بترجمان الأسرار حافظ الشيرازي فأصبح يقلده ويقلد كلماته دون وعي بالرسائل السرية التي كان يبعثها حافظ لمريديه أم أن إتباع خطوات حافظ وإعادة كلماته مقصود وله أبعاده التي لا يفهمها إلا ذوي الألباب لذلك فإن الموضوع يحتاج إلى البحث والتقصي .
[email protected]