19 ديسمبر، 2024 12:01 م

قبل ثلاثة وستين عاما من الآن، اجتمعت عقول كانت تمثل نخبة المفكرين والسياسيين لصياغة (إعلان) لضمان حقوق الإنسان، ورغم أن المجتمعين كانوا قادة العالم ودوله التي أشعلت فتيل الحروب العالمية، ورغم أن هذا الإعلان ولد تحت سقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن أيا من قادة العالم لم يتجرأ بعد مخاض سنتين على أن يطلق على الوليد اسم (قانون) بل حمل اسم (إعلان)، وبالطبع هلّل المشرفون على الولادة لهذا الإعلان وحصدوا نجاحهم الذي تمثل بفرح جماهيري عارم في كل أنحاء العالم الذي كان متعطشا لبصيص أمل نحو مستقبل خال من الحروب. فهل وزعت الحقوق على أصحابها بعد نهاية الجلسات وإقرار الإعلان؟ وهل ناقش المجتمعون مقولتنا الشهيرة (ما ضاع حق وراءه مطالب)؟ إذا كانت الحرب العالمية الثانية التي استمرت لست سنوات قد دفعت بكل (عتاولة) العالم لإيجاد إعلان يرد الإعتبار لشعوبهم التي وقع عليها حيف الحرب، فكم إعلان يحتاج إليه شعبنا الذي ولد أبناؤه وكبروا ومات بعضهم في سلسلة طويلة من الحروب؟ وهل هناك من كلف نفسه أو سيفعل لإعادة حقوق طفل فقد أباه أو شابة ألبستها المفخخات ثوب أرملة؟
ربما يقول المفكرون المشغولون بشؤون أخرى بأن ماحدث قد حدث، والعراقي لا يحتاج إلى حقوق إنسان لأنه نسي إنه إنسان وسط جريه خلف حق (اللقمة) فصارت كل المسميات الأخرى بطرا. وحتى لو شاء أن يفكر بحقوقه فمن أين يبدأ؟ من شوارع احتلتها المفارز وتحولت منعطفاتها إلى ثكنات عسكرية وأصبحت السيارات (الخاكية) فيها هي صاحبة الإمتياز؟ أم من وظائف تباع بالدولار وتوزع درجات خاصة وعامة على أقارب المسؤولين داخل وخارج العراق؟ أم من إمتيازات صارت حكرا على الطبقة السياسية التي سيكون لها الشرف بإلغاء كلمة (البورجوازية) من القاموس وهي تنشئ مجتمعا جديدا مبنيا على نظام الباشوات؟ أم من أزمة السكن التي بدأت منذ عشرين عاما أو أكثر لتتحول إلى أزمة نفسية تفاقمت على أثر توزيع عقارات ودور وأراض على السياسيين ومقرات أحزابهم بل وحتى على عوائلهم؟ أم من بضائع قد تستعمل كعلف للحيوانات في بلدان أخرى، أم من أدوية مزيفة لا تشفي مريضا ولا تبقي مالا في جيب فقير؟ أم من ليال أدمنت الظلام وضجيج المولدات، أم من ازقة وفدت إليها كل انواع الحشرات المجتمعة على أكوام نفايات؟ أم من قلوب محطمة وأبواب مقفلة وهموم ثقال وقلق أزلي من يوم لا نملك خطة لقضائه، وغد مجهول يبحث عن تدبير؟
طويلة هي قائمة الحقوق (إن وجدت)، ولو خرج كل أجداد الغرب (العتاولة) من قبورهم لما استطاعوا إيجاد إعلان يفي حق العراقيين، ولربما قرروا هدم بناء الأمم المتحدة، ليس لتوفير سكن للمهجرين، بل لإنها رغم إنفاقها مليارات الدولارات على مشاريع وقرارات وإعلانات وقوانين وشبه قوانين، لم تستطع أن تستبدل كلمة إعلان ب(قانون)، ليس لسبب إلا لكونها لا تمتلك قوة عسكرية لتطبيق قانون، لكنها كانت دائما تمتلك القوة على توجيه قوات عسكرية إلى أي بلد لاستباحة الحقوق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات