لطاما سأل الانسان نفسه عن بعض السلوكيات او الافعال وحتى القرارات التي يتخذها، هل هي من وحي افكاره وخلاصة استنتاجه أم هناك تأثيرات اخرى خارجية، وهنا نستعرض نظريتان في ما نسميه بتنويم المجتمع أو المجتمعي، قد يكون لهما تأثيرا غير قليل في اتخاذ قراراتنا بالخصوص والمجتمع ككل ولابد لنا اولا من تعريف المجتمع لكي نتمكن من معرفة تاثيراتهما عليه فالمجتمع عبارة عن مجموعة من الافراد مرتبطة فيما بينها بعلاقات اجتماعية او تاريخية او ثقافية تعيش في مكان ونظام معينين، ويسعى كل واحد منهم لتحقيق مصالحه واحتياجاته ضمن الاطر الموضوعة والتي نعني بها الانظمة والقوانين، هذا باختصار ما تعني الكلمة.
نأتي الى النظرية الاولى هي التأطير الفكري فقد ظهرت أبان الحرب العالمية الثانية كان مروجها وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز وهو صاحب المقولة الاشهر كذب ثم كذب ثم كذب حتى تصدق نفسك او حتى يصدقك الناس، وهذه النظرية تعرف احيانا باسمه (بنظرية غوبلز) وهي باختصار تعمل على ابراز جوانب من حدث ما والتركيز عليه واغفال او تجاهل او طمس اجزاء اخرى منه بحسب ميول الكاتب او المتحدث وطبقا لموافقتها لاولويات معينة قد تكون لصحيفة أو لقناة او لحزب ما خاضعة له، لوضع المتلقي في اطار معين تجعله يحكم بما وفر له من معلومات وغالبا ما تكون تلك (المعلومات) اما مزيفة او مجتزءة او مغلوطة وبالتالي تقوده الى اتخاذ احكام أو قرارات وفق تلك المعطيات لابراز الجانب المضلل المراد تسويقه وتمريره للعامة، واصبحت وسيلة مهمة في تمرير السياسات ولازالت رائجة ومتبناه من قبل الاعلام الموجه وهي احدى الوسائل الناجحة للترويج في الانتخابات الامريكية والتي كانت لنا وقفة معها.
وهنا ناتي بمثال: حين ﺗﺰﻭﺭ احد اصدقاءك ﻭﻳﺴﺄﻟﻚ: ماذا ﺗﺸﺮﺏ ﺷﺎﻱ ﺃم ﻗﻬﻮﺓ؟ قد لا ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ حينها ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻋﺼﻴﺮﺍ مثلا، ﻭﻫﺬﺍ النمط من اتخاذ القرار باختصار ﻳﺴﻤﻰ التأطير الفكري فهو جعل تفكيرك ينحصر بين خيارين فرضت عليك لا اراديا ومنعت عقلك في التفكير في الخيارات الاخرى المتاحة، فقد تكون في بعض الاحيان عفوية، وفي البعض الاخر مدروسة ومنظمة، ويجعلك تختار ما هم يريدون وليس ماتريده انت، ولناتي بمثال اخر الانظمة التي سادت العالم فقد كانت اما اشتراكي او رأسمالي.ولاسباب لاتخفى منها قلة الاطلاع والمعرفة والوعي في بعض طبقات المجتمع جعلت هذه النظرية تلاقي رواجا كبيرة فهي تجعلك ترى ماهم يريدون لا ما تريد انت، وﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻳﺪﻋﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳدها لذا لابد لنا من ﺍنتباه ﻟﻜﻞ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻭ ﺧﺒﺮ اﻭ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺗﺼل ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ تسلب ﻗﺮﺍﺭﻙ ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻚ، وقد ترى بعض ﺍﻟﻤﺬﻳﻌﻴﻦ ﻳﻀﻊ ﺿﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪﻩ وﻛﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ واطلاعه، ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ التأطير ﻭﺍﻟﻘﻴد ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﻟﻌﺒﺔ بعض ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎب وحتى الساسة.وأما النظرية الثانية فهي العقل الجمعي والتي يمكن تعريفها الى انها ظاهرة نفسية يفترض فيها الانسان ان تصرفات محيطه في حالة معينة تعكس سلوكا صحيحا وبدافع أن الآخرين يعرفون أكثر منه عن تلك الحالة، فسطوة أثر الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد إلى الانصياع إلى قرارات معينة بغض النظر عن صوابها من خطئها وتسمى أيضا بسلوك او عقلية القطيع على الرغم من أنها قد تعكس دافعا منطقيا بالنسبة للبعض، إلا أن التحليل يظهر أن سلوك القطيع قد يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعاً إلى أحد الآراء، ولذلك قد تنحصر اراء الجماعات الكبيرة في دائرة ضيقة من المعلومات، ولنأتي بمثال قد يكون طال اغلبنا فانت حين تذهب للتسوق وتريد ان تعرف اي المحال افضل بضاعة قد تتجه صوب المحل الاكثر ازدحاما!، والسؤال هنا من قال إن هذا المكان بضاعة افضل من غيره؟، وقد يكون اغلب الموجودين قد سلكوا نفس طريقة التفكير والاستنتاج، مثال اخر ترويج وانتشار الازياء بشكل كبير في وقت معين قد لا تكون ملائمة لبعضهم البته لكنهم يتهافتون لشرائها، كذلك نرى في مواقع التواصل الاجتماعي في كثير الاحيان استهجان لشخص معين قد يكون (مرشحا مثلا) او لمقال او كتاب، حين تقرا التعليقات ترى اغلبهم قد تكلموا بمفهوم واحد تقريبا، وعندما تسال هل اتاح للجميع قراءة هذا المقال او الكتاب او معرفة هذه الشخص أو برنامجه، تكون الاجابة بالنفي ولكنهم فعلوا كما يردد الببغاء والتي يمكن ان نسميها الظاهرة الببغاوية اي تكرار مايقوله الاشخاص بغض النظر عن صحة الموضوع وصدقه وتحت تاثير نظرية العقل الجمعي.
وهنا اترك المجال لك ايها القارئ الكريم للتأمل بالكثير من المواضيع والحالات المجتمعية التي قد تكون مصداقا لما ذكرناه.