لم يجري في خلد أحد منّا أنّ عراق ما بعد نظام صدّام المجرم , سينحدر إلى هذا المستوى من الدرك , ولم يكن لأحد منّا أن يتصوّر أنّ عراق الحضارات والبلد الذي شرّع فيه أول قانون للبشرية , يتراجع فيه القضاء ويعلو فيه العرف العشائري على القانون , فهل أبقى المنادون بقانون مجلس قبائل وعشائر العراق أي هيبة للدولة ؟ وماذا عن دور الدولة بفرض القانون على الجميع وواجبها في حماية حقوق المواطنين وسلامتهم ؟ وكيف للقيّم والأعراف المتخلفة أن تكون بديلا عن القانون الذي يحفظ سيادة البلد وحقوق المواطنين فيه ؟ وهل هي عودة إلى مجتمع البداوة ؟ وهل فعلا أنّ التطورات الاجتماعية التي مرّ بها المجتمع العراقي تحتّم علينا تشريع مثل هذا القانون ؟ وهل تعني عبارة أن تنهض الدولة بالقبائل والعشائر العراقية التي وردت في المادة 45 من الدستور العراقي أن يشرّع للعراق قانون يقرّ الأعراف العشائرية البالية ويكون بديلا عن قانون الدولة ؟ أم أن المقصود بهذه المادة الدستورية هو النهوض بواقع العشائر العراقية التعليمي والصحي والخدمي ؟ وهل أنّ تشريع مثل هذا القانون سيساهم في بناء دولة المؤسسات والقانون ؟ أي دولة في العالم شرّعت مثل هذا القانون ؟ وكم هي حجم الأموال التي ستخصص لموازنة المجلس المركزي والمجالس المحلية والفرعية ؟ وهل ينسجم هذا مع الحالة الاقتصادية التي يمرّ بها البلد ؟ أليس الأولى بمجلس النوّاب العراقي تشريع قانون مجلس الاتحاد الذي نصّ عليه الدستور والذي يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم ؟ وإذا كانت حماية وحدة العراق وسيادته وثوابته الوطنية , فما هو دور الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية ؟ .
وإذا كانت سلطات الاحتلال البريطاني قد أصدرت قانون دعاوى العشائر العراقية عام 1916 , فقد كان ذلك قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 , فليس من المعقول بعد مئة عام يشرّع قانون مجلس قبائل وعشائر العراق , وليس من المعقول أيضا بعد أن ألغت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 قانون دعاوى العشائر واعتمادها مبادئ الدولة المدنية , أن يعاد العراق إلى ما قبل تموز عام 1958 , وإذا كانت هنالك ظروف ساعدت على تنامي دور العشيرة بعد 2003 بسبب انهيار الدولة وضعف الأجهزة الأمنية , فمن المفترض أن تسعى الدولة والمؤسسة التشريعية إلى دعم بناء مؤسسات الدولة المدنية وتقوية القضاء العراقي بما يمّكنه من بسط القانون على الجميع , إنّ مشروع قانون مجلس قبائل وعشائر المعروض على مجلس النوّاب العراقي بجميع مواده الخمسة عشر , عار سيلاحق المؤسسة التشريعية , وسيعود بالعراق إلى القرن التاسع عشر حين كان العرف العشائري والسانية هما القانون الذي يحكم وينّظم حياة المجتمع , فلا وألف لا لدولة العشائر بديلا عن دولة المؤسسات والقانون .