19 ديسمبر، 2024 6:05 ص

في البداية شكراً للتعليقات التي وردت على مقالاتي السابقة.
أعتاد غالبية العراقيين على أطلاق كلمة ” آني شعليه” عندما يمرون بحالة تحتاج الى موقف أو تتطلب لأقل جهد لمواجهة باطل أو قول كلمة حق. طبعاً المبرر دائماً هو لماذا أنا ولأدع غيري يتكلم حتى لا يصيبني مكروه. ولكن هل فعلاً لايأتيه مكروه؟ هناك قصة تقول أنه في يوم من أيام القحط وقلة المال التقى عمرو جاره زيداً الذي يسكن بالقرب منه وقال له: يا زيد هل سمعت ما حدث البارحة في الطرف (الحارة). فأجابه خيراً لا تقل سعيدا مات (وسعيد جارهم كان مريضاً جداً). قال لا لا .. يبعد الله عنه، أنه رجل طيب. أذاً ما حصل؟  أجابه أن بيت كريم الواقع في نهاية الطرف دخل عليهم حرامية البارحة والحمد لله لم يتأذى أحد ولكن سرقوا الجمل وما حمل. أجاب زيد “يمعود وأحنا شعلينا، بيت كريم بعيد عنا”. وبعد يومين ألتقى عمرو زيداً وقال له يا زيد هل سمعت الصياح البارحة؟ فقال زيداً لا تقول أن سعيداً مات. قال له لا لا … يبعد الله بس بيت حجي لطيف جيراني، نعم جاري الملاصق، دخلوا عليهم حرامية البارحة، والمسكين أمرأته أغمي عليها وأخذوها الى المستشفى ولكنها الآن بخير. أجابه زيد: يابة آني شعليه مادام لم يتأذى أحد فعوضهم على الله، وتركه وسار الى عمله. وما كان من صباح اليوم التالي حتى أستيقض عمرو على طرق الباب، فوجد زيداً فقال له خيراً يا زيد. قال زيد الم تسمع ما حدث البارحة؟ أجابه عمرو خيراً أنا كنت تعبانا فلم أشعر بشيء. وهنا قال زيد: ياويلي سرقونا أولاد الحرام البارحة وضربوا ولدي وهو في المستشفى الآن. فرد عليه عمرو “وآني شعليه، روح بلغ الشرطة”. هذه القصة تدل على أن “احنا شعلينا” لا تنجي من العذاب.
التاريخ يخبرنا أنه عند مشاهدة الأمة تتجه الى الأنحراف يتصدى لها بعض الرجال. أما هذه الأيام وما يسمونه عصر الحرية عندما يرى بعض القادة السياسيين والدينين الأنحراف والسراق والقتلة، فأما يطلقون كلمة خجولة أو يختبأون في بيوتهم ويقولون ما دمنا نحن بخير، شعلينا، ومادامت تصل لنا أموال الدولة أو الأموال الشرعية، شعلينا. أما عامة الناس فتقول مادام القادة لا يفعلون شيئأ فما عسانا فاعلين. والبعض الآخر يقول لا نريد الحياة الدنيا وأموالها بل نريد الآخرة، وبما أن الجنة مضمونة لنا بدمعة نذرفها على أمام أو ولي، أو زيارة أو ركضة الى ضريح، أذاً شعلينا.

سُئل أحدهم ما الفرق بين الحاكم في بلاد الغرب والحاكم في بلاد الشرق؟ أجاب أنه كالفرق بين المرحاض الغربي والمرحاض الشرقي (أجلكم الله). ماذا تقصد؟ قال يتطلب المرحاض الغربي مفكاً واحداً لرفع برغيين فقط لأجل استبداله ولكن يتطلب المرحاض الشرقي تكسير الصبة الأسمنتية مع المرحاض لأستبداله.

فاعلموا أنه عندما يتقوى الحاكم المنحرف سيتطلب تكسير صبة كل الدولة لأجل أزاحته. وعندها سوف يتطلب من كل واحد منا حمل فأس لأزاحة ذلك الحاكم، مع العلم أن صبة الدولة ليست كصبة المرحاض، لأن صبة الدولة فيها رصاص ومتفجرات. أن الطريق الأقصر لتفادي التعرض الى متفجرات صبة الدولة هو أن لا تقولوا شعلينا عندما يبدأ الحاكم بالأنحراف، بل أنكم مسؤولون، فأزيحوه قبل أن يتصلب ويصبح صبة مسلحة. لا تصدقوهم عندما يقولون لكم سوف نعمل لكم كذا وسوف تأتيكم الكهرباء وسوف تزداد الرواتب وسوف تعيشون أفضل من كل دول المنطقة. لأنهم جميعاً لهم القدرة على الأبتزاز والمكر، ومن يكذب مرة سيكذب مئات المرات. أن وعدوكم شيئاً ووضعوا له زمن محدد ولم يعملوا به بعد أنقضاء ذلك الوقت فسيقولون أنتفت الحاجة له لأن الوقت قد فات، كما عملوا مع بعض فقرات الدستور. وأذا وعدوكم ولم يحددوا زمناً فلا تتعبوا أنفسكم بالمطالبة، لأن الجواب سيكون أنهم لم يلتزموا بزمن محدد. لا تصدقوهم، لأنهم حددوا وقتاً للكهرباء ولم يلتزموا. ووعدوا بزيادة الرواتب قليلاً ولكن زادت رواتبهم ومصروفاتهم أضعافاً، فرئيس الوزراء يؤجر طائرة كاملة بمبلغ 600 ألف دولار بالأضافة للمصاريف الأخرى وعلى حساب الدولة ليزور الأمريكان ويضع زهوراً على قبر الجندي الأمريكي. كم من فقير منكم يستحق آلاف الدولارات هذه؟ لا تصدقوهم عندما يقولون لكم أنتظروا فالجنة مضمونة لكم بدمعة أو بخطوة، فتقعدون عن ممارسة حقكم بأزاحة الحاكم الفاسد، لأن الجنة ليست ملكهم. فالجنة لها ثمنها، ولكي تكونوا على بينة وتعرفوا شروط الفوز بالجنة أقرأوا الآيات 19-35 من سورة المعارج {إن الأنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعاً. إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن أبتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم بشهاداتهم قائمون. والذين هم على صلاتهم يحافظون. أولئك في جنات مكرمون}.
في العصور الوسطى دفع الناس أموالهم للكنيسة الأوربية وأشتروا قطعاً في الجنة بصك مصدق من البابا. ثم جاء يهودي فأشترى النار من الكنيسة فتوقفت الناس عن شراء أراضي الجنة.  أرأيتم السذج من الناس في ذلك الزمان؟ ولكنهم موجودون في كل زمان، والمثال ليس بعيد عنا نحن المسلمين. فقد بيعت الجنة للبعض أثناء الحرب الأيرانية العراقية وأعطوا مفاتيح شققهم في الجنة علقوها على صدورهم، ولكن الثمن كان القتل والقتل ثم القتل. فهذه أمثلة تبين  مكر بعض المتنفذين وقدرتهم على الخداع وأستخدام كل الوسائل للوصول إلى مقاصدهم الأنانية، وأنهم لا يعطون القليل إلا ليأخذوا الكثير. الكثير يرى البلد يتمزق أرباً ويؤكل حتى العظم ويقولون شعلينا. ومع الأسف أنتشرت المقولة بين عامة الناس “ذبها براس عالم واطلع منها سالم” أو شعلينا بدل أن يقولوا “زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون”. والزراعة هنا ليست بالضرورة زراعة النبات، بل زراعة القيم والحرية والشفافية والنزاهة وزراعة الأسس الصحيحة للمجتمع لجيل المستقبل. فلا تنتظروا الى وقت أزاحة الصبة الكونكريتية المسلحة للحاكم، فعندها ستصرخون ” نعم علينا ..علينا”. عندها ستكونون كلكم مسؤولون.

أحدث المقالات

أحدث المقالات