لايحتاج رئيس مؤسسة خاصة، أو مدير شركة، الى مبررات قانونية، لإقالة موظف من موظفيه، أو هيكلة ملاكها، أو إستبدالهم بآخرين، برغم أن قانون العمل في القطاع الخاص يشترط توفر حالات محددة تستدعي إتخاذ مثل هذا القرار من دون إنذار مسبق، منها إكتشاف أن الوثائق والمستندات المقدمة من الموظف مزورة، أو إرتكابه خطأ نشأ عنه خسارة مادية جسيمة للمؤسسة، أو أنه لم يقم بواجباته الأساسية بموجب عقد العمل واستمر في إخلاله بها برغم إجراء تحقيق معه بهذا الشأن، لكن أين هي الجهة الرقابية التي يحتاط لها قبل صدورمثل هذه القرارات؟، وكيف يدافع الموظف عن مقعده الوظيفي وهو يعمل بلا عقد عمل موثق أصلاً، وبالتالي لاتترتب له أي حقوق في حالة الإستغناء عنه بشخطة قلم، أو حتى كلمة شفوية، أما بالنسبة للقرارات التي تستهدف ملاك العمل كله، فمشروط بإعادة هيكلة المنشآت لأهداف تتعلق بزيادة القدرة التنافسية، وتدني الطلب على السلع والخدمات بما يقتضي مراجعة تكاليف الإنتاج، فضلا على حالات الدمج بين المنشآت وما يتبعها من إعادة تقويم للموارد البشرية وتعظيم الاستفاده منها، وهي بمجملها لاتشكل مرجعية معتبرة لصاحب العمل، في ظل ضعف الرقابة الحكومية.
وإزاء انعدام ضمانات العمل في القطاع الخاص، أصبح الخيار الوحيد أمام المواطن هو الوظيفة الحكومية، ولاسيما بعد التعديلات التي رافقت راتب الموظف الحكومي، والإمتيازات التي يتمتع بها، سواء المتعلقة بحق العمل الذي لايمكن التجاوز عليه بقرار إرتجالي، أو من دون سلسلة إجراءات قانونية للنظر في أمر إنهاء خدماته، أو فصله، أو في تحديد ساعات العمل، والعطل الرسمية، والإجازات بأنواعها، والتي لاتجدها في القطاع الخاص، إذ ساعات العمل فيه طويلة أو مفتوحة، بحسب طبيعة المؤسسة، والعطل لاتشمل موظفيه، والإجازات لاتمنح الا في أضيق الحالات، وربما تخصم من راتب الموظف.
من هنا حصل التضخم في المؤسسة الحكومية، وبدأ الحديث عن حالة الترهل، وعجز الموازنة الناتج عن النفقات التشغيلية، بسبب الإقبال على الوظيفة الحكومية ، والتخوف من العمل في القطاع الخاص لغياب الإستقرارالوظيفي، وسهولة إتخاذ قرار الطرد غير المبرر من العمل، لذا لاغرابة أن يقفز عدد الموظفين من 850 ألف موظف قبل الاحتلال إلى ما يفوق الأربعة ملايين حالياً، مع أن المؤسسات الحكومية لم تشهد أي توسع يذكر، بل العكس، مؤسسات كثيرة، خاصة الإنتاجية، أحيلت الى التقاعد، وسد شواغرها المستورد، والعمل الفعلي للموظفين، بحسب تقديرات المتخصصين في الإقتصاد، يبلغ عشر دقائق فقط في اليوم !!.
لكن، هل يتحمل الموظف الحكومي المسؤولية عن حالة الترهل؟، بالتأكيد، لا، فحق العمل مكفول بالدستور، ومواثيق حقوق الإنسان، غير أن الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد 2003 إستخدمت الوظيفة كوسيلة للدعاية الإنتخابية، وهذا يستلزم إهمال القطاع الخاص للحفاظ على رهان الوظيفة في كسب الأصوات.
وحتى لانضع أزماتنا المالية على شماعة رواتب الموظفين، لابد من تفعيل دور القطاع الخاص، وتفعيل القوانين التي تضمن حقوق الموظفين فيه، من خلال تشديد التمثيل الحكومي لرعايتها ودعمها، وبذلك نستثمر الطاقات المعطلة، ونقدم حلولاً مضمونة للباحثين عن فرصة عمل.