22 نوفمبر، 2024 10:44 م
Search
Close this search box.

مرضانا ومرضاهم

لم أفكر لحظة واحدة أن أكتب عن بلد كالهند لأسباب كثيرة تتعلق بالحالة النفسية التي تعترينني تجاه هذا البلد. منذ أن عرفت معنى مايدور حولي وأنا أنظر الى الهند كبلد على أنه فقير بائس لايرتقي الى مصاف بلدي الغني بالنفط المتدفق في كل ألأتجاهات. حينما كبرتُ بدأت انظر الى الشعب الهندي على أنه بائس لايفقه من الحياة شيئاً ما وترسخت هذه الصورة في ذهني حينما كنت أشاهد عشرات العاملين الهنود في بلدي – مع العلم أنني لم ألتقِ بشخص هندي واحد كي يغير تلك الصورة المأساوية عنهم في ذاكرتي. وشاء القدر أن يحتاج أحد ألأشخاص المقربين مني الى جهاز عملاق- غالي الثمن – لكي يتم فحصه وتشخيص مرض لاأعرف عنه أي شيء سوى أنه يحتاج الى أشعاع وجلسات عديدة. وذهب الشخص المعني الى الطبيب المختص في إحدى المستشفيات العراقية إلا أن الطبيب أكد له أنه يوجد جهاز واحد في العراق- لاأعرف هل يقصد جهاز واحد في المكان الذي يعمل فيه أم أنه يقصد في عموم العراق. سأله الشخص المريض فيما إذا كان يستطيع أن يفحصه بذلك الجهاز أم لا ويدفع له كل التكاليف مهما كانت صغيرة أم كبيرة. تنهد الطبيب وأجابه من أن الجهاز عاطل ولايعرف متى وكيف سيتم إصلاحه. حاولنا مع الطبيب أن يفعل شيء إلا أنه أصر من أن أي محاولة ليس لها قيمة لأن هذا الجهاز عاطل ولاتوجد طريقة أخرى إلا بالبحث عن جهاز آخر يتوفر في بعض الدول القريبة من العراق أو دولة الهند. إقترح علينا أما إيران أو تركيا أو الهند. أي مأساة ومهزلة هذه؟؟ دولة كاملة بكل معداتها الجوية والبحرية وألأرضية لاتملك جهاز لفحص المرضى. وعاد الشخص الى البيت يفكر ويفكر في طريقة للسفر الى دولة من الدول التي ذكرها له الطبيب , وإستقر القرار بالسفر الى الهند. هنا تبدأ مرحلة جديدة من معاناة لاتنتهي. إخراج جواز وتبديل هوية ألأحوال المدنية لأنها قديمة بدون فسفورة وتبديل شهادة الجنسية ومراجعات تقض مضجع المريض وكل من يعيش قريبا منه. إنتهى الجواز وبدأ صراع آخر من نوع مزعج ألا وهو كيفية تهيئة المبلغ الكبير للسفر الى بلاد الهند- الفقير – حسب الصورة القديمة المرسومة في ذاكرتي المرهقة من السنوات العجاف . ورحنا نستقرض من هذا وذاك لأن المبلغ المتوفر لدينا لايساوي نصف الرحلة ذهابا وإيابا.
وراح الشخص المريض يقترض من هذا وذاك ورحت أنا الى بعض ألأصدقاء ألتمس منهم مساعدة على هيئة قرض لحين عودة المريض. وتم تدبير المبلغ – الذي لايعادل بالنسبة لعضو من أعضاء البرلمان وجبة عشاء لأحد ألأصدقاء- وبدأت أبحث في النت عن كل المستشفيات الهندية التي تتوفر فيها أجهزة من هذا النوع. وجدت عشرات المستشفيات وعناوينها وأسماء ألأطباء والطبيبات الذين يعملون فيها وأرقام هواتفهم . في اللحظة التي شرحت لهم حالتنا راح الطبيب يقدم لي أدق التفاصيل عن المكان والسعر وحتى أجرة الفنادق والشقق وكل شيء وراح يتوسل بي أن أعطيه صور من نسخ التحليلات ويغرينني بأنه سيعمل لي تخفيض وسيرسل شخص الى المطار لأستقبال المريض. إتصلت بعدة أطباء من عدة مستشفيات كي أجري مقارنة بين ألأسعار ونوعية المكان وصلاحية الجهاز وكل شخص يتوسل بي أن أتعامل معه , حتى أن بعضهم طلب مني أن اكون وكيل له في العراق لأرسال المرضى مقابل عمولة . واووو؟؟؟ أي إهتمام هذا وأي طريقة رائعة لجذب المرضى من كل العالم. وشاءت الصدفة في نفس اللحظة التي كنت أتعامل فيها مع ألأطباء أن إتصلت بي صديقة – من الفيس بوك- عراقية هاجرت من العراق وسكنت تركيا وهي شاعرة من الدرجة ألأولى كانت قد تعرفت علي قبل أكثر من عام. قالت لي بأنها في هذه اللحظة في إحدى مستشفيات الهند لأجراء عملية معقدة لوالدتها – تبديل شرايين القلب- وهي لاتتكلم اللغة ألأنكليزية وطلبت مني أن أدخل على مستشفى قدمت لي إسمها وأرادت أن تعرف ألأسعار بما فيها أسعار العملية وأسعار الفندق وماشابه ذلك لأنها تعتقد أن المترجم الذي يرافقها قد طلب منها أكثر من السعر المقرر. إتصلت بطبيب من المستشفى الذي ترقد فيها والدتها وأخبرونني أن سعر العملية عشرة آلاف دولار. جن جنونها لأنها تقول بأنهم أخذو منها 25 الف دولار ولازال هناك مبلغ يساوي 5 آلاف دولار ينبغي عليها أن تدفعه عند الخروج. عرفت فيما بعد أنها أجرت العملية في القسم ألأمريكي وليس الهندي. أعطيتها تلفون شخص حصلت عليه من الطبيب للتفاوض حول أجور السكن . في نفس اللحظة طلبت من الطبيبة التي كنت أتحدث معها أن تضيفني كصديق في الفيس بوك وفعلت وبدأت أستفسر منها عن كل شيء. في ثلاث ساعات أصبحت خبير في كيفية السفر والتعامل مع المستشفيات الهندية وأنا جالس في مكان بسيط في البيت. سافر الشخص القريب من قلبي وروحي وسكن في منطقة نائية عن العاصمة تجنباً لغلاء ألأسعار وراح هو وزوجته يذهبان كل يوم في واسطة النقل البدائية – ستوتة أو التوكتك- مسافة تبعد 20 دقيقة. الشخص الذي يرافقهم شاب مسلم رائع سهل لهم أمور كثيرة بدونه لايستطيعون فعل أي شيء. اصبح هو ألآخر صديقي في الفيس بوك. جلس الشخص القريب من روحي مع زوجته في غرفة من غرف أحد الفنادق بما يعادل 10 آلاف دينار يوميا. المدة الزمنية التي سيبقى فيها الشخص المريض مع زوجته شهرين لغرض عمل 25 جلسة كل جلسة تستغرق 10 دقائق. 
ألأجهزة متوفرة هناك بغزارة والنظافة شيء جميل والمعاملة ألأنسانية رائعة وكل شيء يجعلك تشكر الهند من كل قلبك. الخلاصة من حديث الروح هي ” ..في أي عصر نعيش هنا نحن البؤساء الذين ينتمون الى دولة إسمها العراق؟ العالم يتقدم ونحن نتراجع عشرات ألأميال يوميا؟ لماذا؟ أترك لكم الجواب لأنني إذا أردت الحديث عن كل شيء معطل هنا سأستغرق عشرات الساعات وألاف الكلمات . سمعت في ألأعلام أن أحد المسؤلين يرغب في فتح مراقص أو شركات أو أشياء أخرى تكلف مليارات الدولارات خارج العراق.لو فكر بشراء عدة أجهزة من هذه ألأجهزة ووفر علينا عذابات السفر والمعاملات الأخرى وفراق الأحبة لدخل الجنة. أقسم بالله العظيم لو كانت لدي القدرة على شراء جهاز واحد من هذه ألأجهزة لأشتريتها وقدمتها هدية الى أقرب مستشفى على أن يكون ألأستخدام لوجه الله مجانا أو شيء رمزي لايعادل 10 دولارات. كل المسؤولين يتسابقون للسفر الى بيت الله الحرام لأداء الحج والعمرة لكنهم لايعرفون أن الحج هنا عن طريق مساعدة المعذبون في هذا البلد المقدس.

أحدث المقالات