25 نوفمبر، 2024 6:49 م
Search
Close this search box.

أجراس بيوتنا ، بين الأمس واليوم !

أجراس بيوتنا ، بين الأمس واليوم !

في الماضي ، كانت أزرار الأجراس ، تُزين جميع أبواب منازلنا ، نهتم بديكورها لنجذب بها أنظار من يطرق أبوابنا من الضيوف ، لأننا ننظر اليها على إنها وجه ولو بسيط من أوجه الكرم ، تُعطي انطباعا للضيف أنه مرحّبٌ به دائما ، كانت الأزرار جذابة لكنها بسيطة بحيث تسترعي النظر وتُغري الأصابع للضغط عليها ، كنا ننظر لأزرار أجراس البيوت على أنها مقياسا لطبيعة صاحب البيت ، بل كان العديد من أصحاب المنازل يعلق بقرب زر الجرس ، يافطة صغيرة أنيقة بخط رائع يُكتب عليها أسمه ، وغالبا ما تكون أجراس البيوت تلك ، أهدافا لحجارة الشياطين الصغار فيكسرونها ، ولا يلبث صاحب البيت ، أن يستبدلها ، وكنا نلوم مَن يتقاعس عن استبدالها ، أو من لا يضع زرا للجرس ، من أنه لا يحترم الضيف ! .
لم يكن الأمن يوما هاجسا لنا ، ففي السبعينيات كنت أتذكر ، أن ذوينا كانوا يتركون نوافذ سياراتهم مفتوحة وهي مركونة على رصيف الشارع ، بل لم نكن نقفل أبوابنا ، هذا إن لم نتركها مشرعة حتى الصباح ، كان الجيران حرفيا مثل عائلة كبيرة واحدة ، يتقاسمون كل شيء ، وكانت الأخلاق ليّنة نظيفة وعفوية ، وكان الناس بسطاء الى أبعد حد ، وكان حُسن الظن قاسمهم المشترك ، ودارت الأيام واندلعت الحرب العراقية الأيرانية ، فحرمتهم من نومة السطوح المريحة الهانئة ، وبدأت تسلب أبنائهم ، إما قتلى في الحروب ، أو ضحايا إرهاب الدولة ، مغيبين في أقبية السلطة الى غير رجعة ، وتضعضع الأمن من عدة نواحي ، من ناحية انتشار اللصوصية والعنف بسبب تدهور الأقتصاد ، ومن ناحية السلطة التي كانت تحصي على الناس أنفاسهم ، وترقب حركاتهم وسكناتهم ، وأنتشر جواسيس السلطة ، والفرق الحزبية ، وتوالت الحروب ، وتدمر البلد ، وما ترك  ذلك من بصمة عميقة سلبية على الأخلاق التي صارت حادّة والأنتماء الذي ضعف ، وتضعضعت العلاقات بين الأسر ، وسادتها الشكوك والريبة ، وقل التواصل بين العوائل ، وكان الإحتلال وما جاء به من إرهاب عالمي ، وما صاحبه من كوارث ملحمية تاريخية ، هكذا بدأت أجراس البيوت تختفي ، وهي تترجم حالة الأنكفاء والتقوقع للعوائل العراقية ، وصار هاجسها الأمني شغلها الشاغل ، لأن هذه الأجراس تحولت من أجراس لبشرى من صديق أو حبيب أو أنيس ، الى أجراس إنذار من سطو أو تهديد أو خبر كئيب ، وفي أحسن الأحوال ، فاتورة كهرباء لا تبشر بالخير !، حتى خلت الغالبية العظمى من المنازل من أجراسها ، وستمر بمأزق اذا أردت زيارة شخص ما ، وغالبا ما تضطر الى طرق الباب عدة مرات ، محدثا جلبة يطل بسببها الجيران الفضوليين من أبوابهم ، حتى توجعك مفاصل أصابعك ، وقد لا يُفتح لك الباب ، فتعود من حيث أتيت .
ضاعت أجراس المنازل ، مع ضياع الثقة والتفاؤل والأفراح ، وحلّت مكانها كاميرات المراقبة التي لا تُغني عن إختفاء الجرس ، كاميرات وقد طأطأت عدساتها الى الأسفل ، لأنك لو رفعتها قليلا ، فسيشكوا منك الجيران تحت شعار (الشرَفية) ، وتكون النتائج وخيمة ، قد يصل للفصل العشائري ! ، وقد حدث يوما أن طلب أحد الجيران من جاره صاحب كاميرات المراقبة ، أن يُعيد تشغيل الفيديو لليلة سابقة ، فأحدهم قد (شخط) طلاء سيارته الثمينة ، فأراد صاحب الكاميرا إسداء خدمة لجاره ، فظهر في الفيلم أحد الشياطين الصغار وهو إبن جارهم الثالث بالجرم المشهود ، وهو يمسك بمسمار غليظ ، عابثا بطلاء السيارة تخديشا ، وما هي إلا ساعة ، حتى قُرع جرس باب صاحب الكاميرا ، وهو الوحيد الذي وضع جرسا على بابه في كل (الطرف) ، كان أبو ذلك الطفل ، جارهم الثالث ، فبدلا من توبيخ ابنه على قلة أدبه ، جاء يطلب منه تحديد لمدة (العطوة) تمهيدا لفصل عشائري ، لأنه وشى بإبنهم المسيء ! ، فقرر صاحب الكاميرا ، كسر الجرس ! .

أحدث المقالات

أحدث المقالات