إختلطت السياسة بالإقتصاد في ذهني، وأنا أشاهد حفل تنصيب الرئيس الأمريكي رقم 45 دونالد ترامب، ولاسيما بعد أن أثارت إبنتي الصغرى تساؤلاً لايخلو من العاطفة وهي ترى رئيس يتخلى عن منصبه في أكبر دولة في العالم، بل ويحضر إحتفال تسنم الرئيس الجديد، قالت وهي ترى الرئيس رقم 44 يغادر السلطة التي يذبح الناس في بلادي من اجلها ويشردون : ” خطية أوباما يضحك”، وهي تعتقد أنه يداري عن حزنه في الداخل، حاولت أن أفهمها أن الأمر طبيعي عندهم، فالرئيس لايبقى أكثر من ثماني سنوات على سدة الحكم، وقد أسعفتني لقطات رؤساء أمريكا السابقين الذين حضروا الإحتفال، قلت أنظري الى هؤلاء، كلهم كانوا رؤساء لأمريكا، هذا المُقْعَدْ على كرسيٍ متحرك، كان يوماً يجلس على كرسي الرئاسة لأكبر دولة في العالم، وهو من شن الحرب الأولى على العراق في عام 1991بعد أن جيّش معه 30 دولة، لكنه كان أقلهم حظاً في الحكم من بين الرؤساء الحاضرين، إذ لم يستمر حكمه سوى دورة واحدة، وازاحته الإنتخابات، لتأتي بهذا الأشقر، وأشرت الى الديمقراطي بيل كلينتون، الذي حكم لدورتين، وأبرز الآخر عضلاته على العراق، ووجه اليه ضربات جوية وصاروخية في العام 1998 ، وهذا بوش الإبن، غني عن التعريف، أكمل ما بدأه والده ” المشلول” واحتل العراق، حكم لدورتين، وذهب غير مأسوف عليه، أما ذاك العجوز، فهو جيمي كارتر، بطل إتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، وقبل أن أكمل بادرتني بسؤال : ” أشو كلهم بيض، ما عدا أوباما ؟”، قلت لها : لأنه من أصول أفريقية، سألت مرة أخرى : ” ليش أمريكا دولة أفريقية؟”، أجبتها بالنفي، ردت إذاً الأفارقة فيها يشكلون أغلبية ؟ ..
قلت : لا بل هم أقلية، لكن كل من يحمل الجنسية الأمريكية، فمن حقه أن يخوض غمار الإنتخابات الرئاسية، ويتولى المناصب السيادية، يعني تصوري أن المدير الأسبق لأخطر جهاز في الولايات المتحدة وهو الـ ( سي آي ايه) كان يوناني الأصل، وأقصد جورج تينت، فوجئت وهي تسأل : “يعنى ماكو محاصصة، وهذا الك وهذا الي بحسب الطوائف والأعراق”، سكت، وأنا تعتصرني حسرة الواقع العراقي، والتجربة الأمريكية التي فرضوها علينا بإسم الديمقراطية، وقلت لها : دعينا نتفرج.
في حالة الترقب، سمعت كلمات من ممثلي الجاليات الدينية، وكنت أنتظر، كلمة لممثل الجالية الإسلامية، لكن كما يبدو أن هناك تغييباً مقصوداً لمسلمي أمريكا، كيف لا والإسلام كان المتهم الأول في حفل التنصيب.
الإقتصاد، كان محور حديث الرئيس الجديد، ممسكاً بوتره الحساس من خلال مخاطبة مشاعر الطبقات الفقيرة، وفاقدي العمل، طارحاً نفسه المخلص للمسحوقين والبؤساء.
لسنا بصدد مناقشة جديته في هذا الجانب، لكن رسالة يمكن أن تفيدنا ونحن مقبلون على دورة إنتخابية جديدة، أن البرنامج الإقتصادي ينبغي أن يكون محور الإنتخابات، وأقول وأكرر : البرامج، وليس الوعود الطائرة.عادت إبنتي لتؤكد لي صحة رؤيتها بتأثر الرئيس السابق، بفقدان كرسي الرئاسة : “بابا، شوف أنه لم يتحمل البقاء، وغادر الحفل مع زوجته بطائرة مروحية !!”.
ضحكت، وأنا مدرك تماماً، أن التداول السلمي للسلطة في العراق لاتحققه الديمقراطية البشرية، والبقية عليكم.