يروي الطبيب الجراح والفنان التشكيلي المعروف علاء بشير حكاية عن زميل له تم نقله من مقر عمله في احدى المستشفيات البريطانية لانه كان شاهدا على خطأ طبي وقع فيه جراح بريطاني ..وقتها ، قرر الطبيب العراقي الذي يعمل مساعدا للبريطاني ان يخفي على المريضة حقيقة الخطأ الذي ارتكبه الطبيب البريطاني في علاجها، لكن البريطاني شعر بالغضب من سلوك العراقي واقدم على الاعتراف للمريضة بخطئه والاعتذار منها ثم قال للمساعد العراقي انه لن يتمكن من الثقة به بعد الآن لأنه حاول اخفاء الأمر والكذب على المريضة وتم نقل الطبيب بناءا على ذلك …ولدى توديعه قال له الجراح البريطاني انه يدرك جيدا ان مساعده كان ينوي مساعدته بحسن نية لكن مافعله كان خيانة للامانة والثقة ..
تذكرت هذه الحكاية حين شاهدت قبل ايام فيديو تظهر فيه طفلة امريكية تطالب امراة دفعتها بغير قصد في محل تجاري ان تعتذر لها وعندما ترفض المراة الاعتذار يتوجه والد الطفلة لصاحب المحل ليروي له ماحدث وهنا يطالب الاخير السيدة بالاعتذار للطفلة فترفض ايضا وقبل ان تغادر السيدة المحل يخرج صاحبه ويعود برفقة رجال الشرطة ليتم اعتقال المرأة ووسط دهشتها مما حدث تتقدم الطفلة لتقول لها ببراءة ان والدها علمها ان من يخطيء يجب ان يعتذر ولهذا طالبتها بالاعتذار وانها تسامحها رغم ان كلمة الاعتذار بسيطة جدا !!هنا تنخرط المرأة في بكاء شديد وتحتضن الطفلة معتذرة لها …
حين سئل المفكر الراحل علي الوردي عما يجعل الضمير مريضا ..أهي الوراثة ام تشوهات الولادة ام الذاكرة الجمعية ،قال :” يتفق الجميع على ان للتربية تأثير كبير على صحة وتقويم الضمير “…
اهي التربية اذن التي دفعت عدد من ضباط الجيش الامريكي وجنوده ممن شاركوا في الحرب ضد العراق الى الاعتراف بخطأهم وانهم مارسوا انتهاكات بحق الشعب العراقي وقتلوا العديد من العراقيين من دون وجه حق ؟…لماذا يعترف ساسة الغرب وابناءه باخطائهم ويعتذروا لمن سببوا له الاذى بينما يصر ساستنا وابناءنا على اخطائهم ولايعترفون بها او يعتذرون
عنها ..المشكلة ان اخطاءنا الصغيرة قد تكلفنا فقدان الثقة اما اخطاء السياسيين فتكون نتيجتها وخيمة ، وماحل ويحل في العراق لاتكفي عشرات الاعترافات والاعتذارات لتداركه خاصة وان لاأحد منهم ينوي الاعتراف فكيف بالاعتذار ؟!
مازالت ملفات فساد عديدة مغلقة لوجود من يحمي اصحابها ، وحين يجري فتح احدها من قبيل الصدفة او الانتقام ، لايحظى المواطن العراقي بلحظة نشوة ورضى وهو يشهد اعتراف المسؤول او اعتذاره وربما استقالته ..قد نشهد انحدارا وتصريحات وقحة ومكابرة على الخطأ واتهامات عدائية لكن صحوة الضمير تبقى آخر مايمكن ان يتوقعه العراقيون من مسؤول سياسي …ولأن صحة وتقويم الضمير يمكن ان تتحقق بوجود تربية جيدة كما قال الدكتور علي الوردي فمن الواضح اذن انهم لم ينالوا شيئا منها …
بعد ان تتحرر الموصل وينتهي مسلسل الارهاب الداعشي سيبدأ مسلسل آخر يماثله في الاهمية ان لم يفوقه وهو مسلسل الفساد فالارهاب يمكن ان يندحر بالقتال لكن الفساد لن ينتهي الا بصحوة الضمير وهذه لن تتحقق الا بممارسة ثقافة الاعتراف والاعتذار التي تنبع من تربية جيدة وضمير يقظ ..من المتوقع ان يفعل السياسيون مافعله مساعد الطبيب البريطاني فيعملوا على اخفاء الحقائق عن المواطن العراقي والمشكلة ان لاأحد سيتمكن من نقلهم او ردعهم او اتهامهم بخيانة الثقة والامانة ..ذلك لأننا ورثنا اللامبالاة وعدم المسؤولية ولم نتلق تربية رفض الخطأ او الاعتذار عنه ….