في ابحاثهم الجديدة ، قال علماء احدى الجامعات الامريكية ان على الانسان اذا اراد تحقيق السعادة والنجاح ان يترك المستقبل والغد حتى ياتي اليه وعليه فقط ان يهتم بيومه واصلاحه حتى يصلح الغد ..وان مامضى فات وماذهب مات …
كم يشعر المرء باسترخاء وراحة وهو يقرأ كل هذه الفقرات ويتخيل انه قادر على تطبيقها وصولا الى السعادة التي ينشدها الجميع وقد يتخيل نفسه ناجحا ومتفوقا لأنه امتلك شروط الشخصية السوية التي وجد العلماء ايضا في ابحاثهم انها قادرة اكثر من غيرها على تحقيق النجاح ..لابد اذن ان نحاول تعليب الماضي للأبقاء على قيمة عناصره ومكوناته وان نعمل على تجميد الحاضر حتى ياتي المستقبل عسى ان يكون حافلا بما يعمل على اذابة كل المتاعب وصهر المعوقات لقيام واقع افضل ، وعلينا ايضا اطاعة نصائح العلماء بتوسيع آفاقنا والتماس العذر للآخرين ومعالجة جروح الكلام الاشد وقعا من جرح الحسام وسنحصل حتما على السعادة والنجاح معا ..
ربما قرأ رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري هذه الابحاث قبل أن يلقي كلمته عن حماية التعايش السلمي في المؤتمر الذي عقدته لجنة الاوقاف والشؤون الدينية تحت شعار ( العراق مابعد تحرير نينوى ، تعايش سلمي مجتمعي ودولة مواطنة )، فهو يدعو الى تعليب الماضي وتجميد الحاضر والأمل بالمستقبل داعيا الى اقرار قانون للتعايش يتضمن تجريم التمييز والمساس بالسلم المجتمعي ويوقع أشد العقوبات على مثيري النعرات الطائفية والدينية والاجتماعية كما هو معمول به في كثير من دول العالم وحتى في الدول العربية لنهتم باصلاح يومنا ليصلح الغد ولكي ننسى الماضي ونفكر بالحاضر والمستقبل ..
لاأظن ان الرجل من النوع الحالم فهو يدرك جيدا ان مايقوله سيظل أسير قاعة المؤتمر ولن يخرج الى ساحة الواقع ويتم تطبيقه فعليا ، فالواقع يقول ان تأمين عودة جميع النازحين الى مناطقهم المحررة لن يخلق تعايشا سلميا بقدر ماسينتج عنه تصفيات ثأرية ونزاعات قائمة على الطمع والانحياز الى
العرق والاصل والطائفة والمذهب ..انه يدرك جيدا ان هناك ملفات تنتظر حسمها من قبل القضاء وان القضاء ليس عادلا بما فيه الكفاية ليعيد لكل ذي حق حقه فيحاسب الارهابي وينصف البريء ..
لقد دعا الجبوري اللجان المختصة في البرلمان الى تشكيل لجنة مشتركة لدراسة فكرة قانون التعايش والعمل على اعداده ليتم اقراره في الفصل التشريعي المقبل متزامنا مع مرحلة التحرير ، ولأننا ندرك ايضا ان تشكيل اللجان لحل القضايا يعني ضياع الحقوق ، لأن اللجان التي يعول عليها الجبوري لاتحظى بالوفاق الكامل او الثقة المتبادلة فيما بينها فكيف ستعد للمرحلة المقبلة بروح شفافة ومنزهة عن كل شيء الا التعايش السلمي القائم على اساس المواطنة ؟…انهم يختلفون على كل شيء الا المنافع المادية فهم يصوتون بالاجماع على أي قرار يخدم مصالحهم حتى لو اضر بمصالح المواطنين كتصويتهم الأخير على استقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين لتغطية نفقات الحشد الشعبي والنازحين في الوقت الذي تطالب فيه المفوضية العليا للانتخابات بتخصيص مبلغ متواضع قدره ستة مائة وتسعة عشر مليار دينار من اجل اجراء انتخابات مجالس المحافظات وهو مايصب بالتأكيد في مصلحة المسؤولين .
هل يمكن للجبوري أن يقنع نوابه بماتدعو اليه ابحاث العلماء من اصلاح للغد وتجاهل للماضي للحصول على شخصيات سوية قادرة على التعايش بسلام وحل كل المشاكل المتعصية ، ام سيظل كلامه حبيس قاعة المؤتمر ولن يخرج ابدا الى ساحة الواقع ؟