19 ديسمبر، 2024 7:16 ص

ممكن ان نوضح التطرف ليس كمصطلح ولكن كمفهوم على ارض الواقع ؟
نحاول فتح آفاق جديدة في دراستنا للتطرف ، تتناول الأطر التي تقف وراء تلك المواقف التي تنذر بالتفجر في أية لحظة , والعواطف المشحونة بعدم التحمل والغضب . إن دور المثقف كونه شاهد مسلحا بالحس النقدي هو التحليل ، أي هو دور مزدوج شاهد ومحلل . وهنا الدور المزعج الذي يمارسه المثقف ، فهو يكشف لنا ما نريد الإفصاح عنه ، أو ذاك المخفي عنا يقودنا إلى ما نرغب أو ما لا نرغب ، أي ان المثقف الشاهد يعرينا أمام أنفسنا قبل الآخرين . فمن المربك والمقلق أن نعترف بأننا لا نعرف حقا الأسباب التي تدفعنا وتقودنا  . فالغرض من ذلك هو أن نبتعد عن أن نحكم بمستبقات فكرية وأحكام قطعية جاهزة في ظل التشوه الثقافي السائد واهتزاز القيم التي تقود لحياة أفضل .
ان التطرف وسيلة دفاعية بمعنى آخر ، أن المتطرف يجد فراغا في أمنه فيحاول أن يلجأ إلى أقرب المنظمات التي تعطيه ذلك الأمن , وأن أكثر المؤسسات التي تستطيع ان تمنح هذا الأمان هي السلطة المركزية الممثلة بالمؤسسات الحكومية وعندما يجد فراغا في أمنه ، أي عندما تعجز هذه المؤسسات الحكومية بتوفير الأمن له فيلجأ إلى أقرب المنظمات التي تعطيه ذلك الأمن , أي المنظمات المجتمعية والعاشائرية . أي عند فشل هذه المؤسسات الحكومية يحث الأرتداد إلى المنظمات الأقل تمثلا فيحدث التخندق , وفي حالنا ولغياب الهوية الجامعة تجد الهويات الفرعية تاخذ مكان الهوية الجامعة .
 الاعلام هل هو اعلام طائفي ام غير طائفي ؟
 والأعلام كونه يعكس الحالة الاجتماعية فهو لا ينفك عن حالة المجتمع ، ثم أمر آخر ما الضير في الطائفة وليس الطائفية ، وبالتالي فالإعلام ينقسم حسب الجهة التي يمثلها ، ولكنه على العموم إعلام غير فاعل في تغير اتجاه الناس . وأنا لا أميل إلى الحكم الجاهز ، فأن تحكم على قناة ما بأنها طائفية ، فهو حكم بحد ذاته متطرف , والتطرف هو اقصى حالات التعصب والذي يرافقه الأقصاء بل الدعوة إلى الإلغاء الفكري والجسدي . أذن وحسب ما اعتقد لا يوجد اعلام متطرف لدينا ، ولكن يوجد أعلام موجه .
 معرفيا أنا لا أميل إلى الأحكام الجاهزة والمسبقة , وبالتالي التوصيف ضروري لتحديد نوع الظاهرة واتجاهها وشدتها ، فالتطرف هو في حده الأدنى عدم قبول الآخر ، السؤال هنا هل يوجد في الإسلام عدم قبول لما نسميه الآخر ، أعتقد جازما لا يوجد ، والأمر نفسه كذلك بالنسبة لما يسمى تجاوزا علماني . وللتفصيل أكثر العلمانية هي جزءا مما يسمى بالحركة الليبرالية العلمانية موقف اجتماعي يرتكز على ثلاث اسس :
1. تقييد السلطات : وهذه تركز على فصل وتفكيك السلطات اولا  وثانيا على الديموقراطية
2. العدالة الاجتماعية : وهذه تعتمد بشكل اساس على المساواة في الحقوق والواجبات
3. حقوق الانسان وهذه تعتمد اساسا على الحرية الفردية كحرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية العمل
هل يوجد مفهوم لما هو الآخر في الإسلام ، وكيف يتعامل الإسلام مع الآخر ، وهل يقصي الآخر . الجواب قطعا يوجد مفهوم الآخر في الإسلام ولكنه لا يقصي هذا الآخر ، ولا كبيرة . فإنك لن تجد في القرآن كلمة تشير إلى موقف فكري مطلقا ، بل يشير القرآن إلى المواقف الشخصية ، فهو يقول ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، ولم يقل أو يهاجم اليهودية والنصرانية , فهو لا يوصم الموقف الفردي إلا بصفته الفردية والشخصية  . اما إذا وجد موقف متطرف فهذا ليس بالموقف الإسلامي بل موقف أيديولوجي ، فالقرآن ذكر وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى , وفي أية أخرى من سورة البقرة ، إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من أمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ماذا نستطيع ان نستشرف من هذه الاية فهي لا تقفل الباب أمام الآخرين وليس تدعي الإقصاء ولم توصد الباب بوجده الآخر , بل أن أن لفظ الآخرين وردت متعددة المعاني والتوجهات ومنها وآخرين لما يلحقوا بهم … فالعديد من الآيات تؤكد على عدم التطرف  منها ( لا أكراه في الدين ) . وهو أمر جيد أن نبتعد عن المهاترات الإعلامية والتسقيط  وهو امر يدعو إليه الإسلام .
فالإسلام يتداول موضوعة الآخر باعتبارها مدخلا للسلام الاجتماعي ، ومن أهم أسباب التعايش في المجتمع الإسلامي والمدني فهي من( صلب الإيمان بالحرية من حيث كونها جوهر الوجود الإنساني ، فهي قضية مصيرية تتماهى مع صيرورة الإنسان . )  بل رفض القرآن اقصاء الآخر لمجرد المعتقد ، بكل اشكال الاقصاء ؛ فقد رفض الإقصاء الوجودي (قتل أصحاب الأخدود ، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد / البروج ) وبالتالي نرفض كل أنواع الإقصاء الوجودي حيث لا حرية لأعداء الشعب ، من لم يكن معنا فهو ضدنا …. الخ . ورفض القرآن شخصنة الفكر وتسخير الآخرين ( فاستخف قومه فأطاعوه) والنوع الآخر هو الإقصاء عن الوطن (  لنخرجك يا شعيب والذين آمنوا من قريتنا / الأعراف 88 )
النوع الآخر العزل الاجتماعي ( ولا تطرد الذين يدعون  ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه / الأنعام 52 ) .
النوع الآخر من الأقصاء تشويه الفكر ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه / النساء 46 ) هذا من الأمور التي تصدم المثقف عندما يجد من يجب عليه أن يكون محلل وشاهدا مزعجا كما وصفنا بداية ، اي بدل ان يشارك في تحليل الظاهرة لكي يكون عاملا مساعدا في تفكيكها ، فهو يشارك في تعميقها وبالتالي يخرج من كونه شاهدا ومحللا لكي ننبذ الإقصاء فهو يساهم فيه بشكل مباشر , وأعود لكي أوكد بأنه لا توجد تطرف بل اتجاهات اقصائية نتيجة للتشوه الثقافي والقيمي الذي يعيشه المجتمع العراقي نتيجة لعدم وجدان الهوية الجامعة  .
ملاحظة ( بعض الفقرات تم الاستعانة بها من كتاب الآخر في الإسلام للمفكر الشابندر مع التصرف )
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات