18 نوفمبر، 2024 3:16 ص
Search
Close this search box.

صادق جلال العظم .. آخر التنويريين الكبار

صادق جلال العظم .. آخر التنويريين الكبار

لعل معظم أبناء جيلي يتذكرون قصيدة نزار قباني “هوامش على دفتر النكسة” التي كتبت بعد هزيمة حزيران عام 1967. كما يتذكرون بعض شعر المقاومة الفلسطينية لاسيما قصيدتي محمود درويش “سجل انا عربي” و”سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا”. لكن المفاجأة جاءت من السوري صادق جلال العظم الذي رحل عن دنيانا يوم 13|12|2016 في المانيا على إثر مرض عضال. العظم المولود في سوريا عام 1934 قضى معظم حياته شريدأ حاله في ذلك حال مفكرين عرب كبار خلخلوا البنية الفكرية وتحرشوا بثوابت لايراد التحرش بها من أمثال نصر حامد ابو زيد الذي رحل هو الآخر في هولندا قبل سنوات بعد إتهامه بالردة والحكم عليه بالكفر فضلا عن محمد اركون ومحمد عابد الجابري وجورج طرابيشي والصادق النيهوم وغيرهم الذين رحلوا تباعا خلال السنوات الماضية.
مفاجأة العظم الذي زلزلت البنيان الفكري القائم انذاك هي كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة” الذي كان أول مواجهة جادة مع المجتمع العربي الذي طغت عليه الخرافات والمفاهيم الغيبية والتي إنكشفت كلها بعد أن إستيقظ العرب صبيحة يوم السادس من حزيران على وقع هزيمة أرادوا التخفيف منها أطلقوا عليها “نكسة” التي جاءت إستكمالأ لـ “النكبة” التي وقعت عام  1948  حيث اعلنت دولة إسرائيل. بعد هذا الكتاب الحقته بسلسلة من الكتب الأخرى التي إستمرت في خلخلة الأبنية الفكرية الهشة مثل “نقد الفكر الديني” و”ذهنية التحريم” و”الحب العذري وما بعد الحب العذري” وغيرها. وبقدر ما وضعت فيه هذه الكتب صادق جلال العظم على قائمة أكثر الكتاب التنويريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين مع من ذكرنا من المفكرين والكتاب الذين إشتغلوا على تفكيك العقل والنص الديني وآخرهم السوري الآخر محمد شحرور الذي لايزال يواصل مشروعه التنويري عبر نظريات وافاق معرفية جديدة, فإنها جلبت له “العظم” مشاكل إجتماعية وسياسية إذ فصل وسجن ومنع أدت به في النهاية أن يترك بلاد العرب التي كان يجري التغني بها بوصفها “بلاد العرب اوطاني” الى بلاد الكفر مثلما كانت وربما لايزال يطلق عليها  إثر إتساع دائرة التكفير بعد ظهور الحركات التفكيرية “القاعدة ومن بعدها داعش”.برحيل صادق جلال العظم تطوى صفحة الجيل الاكثر تاثيرأ في الثقافة العربية بعد جيل النهضويين الكبار في النصف الأول من القرن العشرين الذين كانوا واجهوا شتى صنوف العسف والإضطهاد الفكري والسياسي “ولعل فيما واجهه علي عبد الرازق بعد صدور كتابه الإسلام وأصول الحكم وطه حسين عبر كتابه في الشعر الجاهلي” إنما يمثل الشرارة الأولى لما سيواجهه مفكرون وكتاب آخرون بدء من علي الوردي بعد صدور كتابه “وعاظ السلاطين” الى فرج فودة الذي لم يكتفوا بمنعه بل إغتالوه الى نصر ابوزيد وسواه ممن لم تتسع لطروحاتهم الجريئة العقول الظلامية التي لم تواجه الحقيقة مثلما هي بل بقيت ترفض كل تجديد حتى وجدت الامة نفسها كلها في ورطة حيال الفكر الظلامي وإرتدادته العميقة على الأوضاع العربية في كل المجالات والميادين.
رحيل صادق جلال العظم خسارة للعقل العربي بكل ما تعنيه مفردة خسارة. ولعل هذا الرحيل وإن لم يكن مفاجئا لرجل في العقد التاسع من العمر ويعاني المرض لكنه سيعيد ثانية فتح ملف العظم والعقل العربي حتى تتم محاكمة هذه الثوابت من جديد والتي كانت سببأ فيما يعانيه العرب اليوم. وهو ماسبق للعظم أن حذر منه قبل نحو نصف قرن.    

أحدث المقالات