بدأ نقول أيهما وقعه اكثر ألما وقسوة، الموت المفاجيء كالذي يأتي نتيجة حادث أو أنفجار عبوة او سيارة مفخخة وما الى ذلك، أم أن تعيش حالة الخوف من الموت وبأنتظاره الذي لا تعرف متى يأتيك؟
قد يتفق معي الكثيرون بأن العيش بالخوف من الموت يكون وقعه أكثر ألما وقسوة، ولو أن العراقيين والحمد لله كما يقال عشنا الحالتين معا، بل ذقنا مرارة الموت والخوف من الموت بكل الصور والمشاهد منذ أكثر من ثلاثين عاما! أبان فترة الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن!.
الذي دفعني أن أكتب هذا المقال هو أزدياد شعور العراقيين بالخوف أكثر من ذي قبل! بسبب من أزدياد الأنفجارات اليومية بعموم محافظات العراق فلا يكاد أن يمر يوم ألا وهناك تفجير بسيارة مفخخة أو بعبوة أو بحزام ناسف،
كذلك أزدياد حالات الخطف والتسليب في الأونة الأخيرة بالعاصمة بغداد بشكل ملفت للأنتباه هذا ناهيك عن حدوثها المستمر في بقية المحافظات وخاصة محافظة البصرة التي خرجت تماما عن سيطرة الدولة ممثلة بحكومتها المحلية في المحافظة!.
كما أني اكتب المقال ليس تعقيبا على حادثة الأختطاف المثيرة للجدل والتي أثيرت عليها الكثير من الشبهات؟!! للصحفية (أفراح شوقي القيسي) من عقر دارها! من قبل عصابات مسلحة يرتدون الزي العسكري، ويستقلون سيارات الدفع الرباعي!، فحسب بل على ما اعلنه وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وهو يحذر كافة الكوادر التدريسية من أتخاذ الحيطة والحذر وذلك أثر ورود تهديدات من عودة أغتيال وأختطاف الأساتذة الجامعيين!.
يحدث كل هذا وسط غياب كامل للدولة وأجهزتها الأمنية، المنشغلة أصلا للقتال في جبهة داعش بالموصل وبعض المناطق الأخرى. وبالوقت الذي يصب فيه الناس كل غضبهم ولومهم على الأجهزة الأمنية لقصورهم في ذلك،
ألا اني ألتمس ألف عذر وعذر لمنتسبي تلك الأجهزة المغلوبة على أمرها! بسبب من سيطرة وطغيان قوانين العشيرة التي أصبحت بديلا عن القانون، فمشهد وصورة العشيرة هو الذي يسيطر على الحياة العراقية بكل مفاصلها، بعد أن أنفلت عقال تلك العشائر وأصبحت خارجة تماما عن سيطرة الدولة!؟،
مستغلة ما تمر به البلاد من ظروف الحرب والفوضى وغياب القانون وبروز الطائفية بأبشع صورها، فالعشيرة حجمت دور الأجهزة الأمنية أن لم نقل ألغتها!؟ فرجال الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة الموجودين في السيطرات وحتى عندما يخرجون بالدوريات، يحاولون تجنب التدخل عندما يقع حادث تسليب أو اعتداء وخطف حتى وأن كان يقع على بعد امتار عنهم!، خوفا من تبعية ذلك عليهم عشائريا!!؟
وكم من مرة أن حدث رغم سطوة العشائر وبروزها المرعب والممقوت من قبل عموم العراقيين! أن انتفضت غيرة وكرامة أحد منتسبي الأجهزة الأمنية وتدخل لأنقاذ أنسان ضعيف ألتجأ أليهم بسبب شجار ولكن دفع رجل الأمن ثمن تدخله القانوني ذلك غاليا وكبيرا ووقع عليه الفصل العشائري، وصار عبرة لمن أعتبر!!؟
أذا لمن نشكي أمرنا ونلتجأ؟ ومن نتصورهم يحموننا ويصدون عنا الأذى ويشعرونا بالأمان هم فاقدي للأمان! ويخافون التدخل لحمايتنا لأي سبب كان!. لذا فغالبية العراقيين لا يشعرون بطعم الحياة ولا بأية سعادة في العيش بسبب شعورهم الدائم بالخوف الذي بات يلازمهم كظل لهم!
وتزداد وتيرة الخوف عندهم أكثر عندما يزداد حصاد الموت بالعراق كالذي تعيشه بغداد وبقية المحافظات هذه الأيام من موجة من التفجيرات والعبوات الناسفة وحالات الخطف والتسليب؟! وخاصة محافظة البصرة التي خرجت من يد الدولة وسقطت بيد المسلحين والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والعشائر!
ويبدوا وتلك المصيبة الأكبر هو أن بقية محافظات الجنوب تريد أن تحذو حذوها بالأنفلات من قبضة الدولة الضعيفة! والسقوط بيد عصابات الجريمة المنظمة وكل الخارجين عن القانون وبرعاية وأشراف المليشيات والعشائر!؟.
وفوق كل ذلك فكل مواطن عراقي لا يشعر بذرة من الأمن والأمان حتى وهو داخل بيته، فمن السهل وأمر طبيعي جدا أٍن يأتوك (زوار الليل)!!؟ من المسلحين وبسيارات حديثة رباعية الدفع غالبا، ويأخذونك من عقر دارك الى مصير مجهول! أمام صرخات أهلك، وكم من مئات المرات حدث ذلك وفي عموم مناطق بغداد.
ويعد العراق ومنذ عام 2003 عام السقوط ولحد الآن من أسوء مناطق العيش في العالم! ويحتل المرتبة الأولى في كل تقييم دولي تجريه المنظمات العالمية المختصة فبات العراقيين بسبب كل أجواء الخوف والرعب والقلق والموت الذي يحيط بهم من كل جانب! يشعرون بالغربة وهم في وطنهم وتلك أكبر مأساة يمكن أن يعيشها الأنسان أيا كان.
ومن سوء الطالع في أمر العراقيين هو أنه أذا كان عراقي الداخل يشعرون بالخوف بسبب أجواء الموت التي تحيط وتتربص بهم، فأن الكثير من عراقي الخارج وخاصة ممن نزحوا في المدة الأخيرة صوب دول العالم مع موجة الهجرة التي طالت الكثير من شعوب المنطقة العربية،
يعيشون أجواء من الخوف أيضا ولكن من نوع آخر!! ، وهو من أحتمال أعادة ترحيلهم الى أوطانهم بسبب رفض تلك الدول من أستقبالهم وأقامتهم!؟
فأي بؤس هذا وأي شقاء وأي خوف هذا وأي ألم؟! وحسبنا الله ولا حول ولا قوة ألا به، ولا ندري الى متى سيستمر خوفنا هذا وشعورنا بالغربة ونحن نعيش في وطننا؟.