لا تكاد تميزه عندما يمشي في الشارع عن بقية الناس شديد التواضع بسيط الملبس وقور في مشيته ونظراته يذكرك منظره بالله والصالحين من الرعيل الاول للمتدينين يبادرك بالسلام فضلا عن رده السلام باحسن منه ، كثير الحركة في اوساط الشارع العراقي في المهجر وفي الوطن متفاعلا مع الناس منغمرا في قضاياهم ومتابعة امورهم وبذل المستطاع من اجل قضاء حوائجهم . مسك بزمام القلم والسياسة وساوق بينهما فلم تنسه السياسة وتصديه للامانة العامة لحزب الدعوة تنظيم العراق قلمه وواصل التاليف والارشاد والحوارات والندوات والنشاطات الاجتماعية . شهد له الكثيرون بالنزاهة والترفع عن ماديات الحياة ولا يخلو اي انسان من قادح ومادح وان رضا الناس غاية لاتدرك وبالخصوص في وقتنا هذا اذ كثرت الاحزاب ، والكتل ، والتيارات ، والاتجاهات ، والانتماءات وظل الوطن يعوم على طوفانها لولا الايادي الامينة التي لا يهمها الا مصلحة البلد واخراجه من ازمته لغرق في لجج هذه التيارات المتلاطمة التي اجتاحت الساحة فكان – رحمه الله – لايبخل براي ولا يدخر وسعا بحل او توجيه او تاليف من اجل رفع الازمات وحل المشكلات للتخفيف من المتاعب التي يرزح تحتها المواطن . حتى في ايامه الاخيرة لم يترك يراعه وقرطاسه فكان يبادر الى الكتابة والتاليف اذا ما اعطاه المرض برهة من الراحة ، يتصل باخوانه ورفاق دربه والمتعلقين اذا احس بقوة تدب في بدنه . لم ينس الفقراء والمحتاجين وكان كثيرا ما يامر بمساعدتهم ماديا من خلال دفع المساعدات والتاكيد على ذلك . كان صابرا محتسبا مؤمنا بقضاء الله وقدره سجد لله رضا وخضوعا لارادته عندما اخبروه باصابته بهذا المرض العضال
وبقي ذاكرا ربه ولم يفارق الدعاء والاستغفار حتى ساعاته الاخيرة .لعل ابرز سمات السيد التواضع وعدم التكلف ومن جميل ما يذكر طلب احد الشيوخ الافارقة – عندما كان في ايران – لقائه فانتظره ريثما ياتي لغرفة الاستقبال وعندما اقبل استقبله الشيخ استقبال من لا يعرفه بعدها علم انه السيد (ابوعقيل) فاعتذر عن ذلك لانه لم يتصوره بهذه الهيئة البسيطة والملابس المتواضعة . طيلة عمله في موسسة البلاغ في طهران كان يذهب اليها من قم – مقر سكنه – بسيارات الاجرة لم يمتلك بيتا ولا سيارة بالرغم من احتياجه لها ولم يمنعه عن ذلك حر او قر او ثلج لم يرضخ حتى الى طلب عائلته بشراء بيت ولو متواضع لتتخلص من الانتقالات الدائمية المتعبة من بيت لاخر . يذهب في بعض الاوقات الى مكتبه بالسيارة الشخصية لاحد الحراس عندما تتعطل سيارته الى ان ارسلوا له سيارة متواضعة من بغداد. كان قليل الظهور في الاعلام كثير العمل في المهجر وعند رجوعه الى العراق رفض السفر الى لندن للعلاج ولم يعلم بمرضه الكثيرون حتى من السياسيين .
قدم السيد الموسوي الكثير في سبيل الوطن والمذهب فقد تعرض للاعتقال وقدم اربعة من اخوته شهداء قرابين الى الله تعالى وحكم على ابنه الاكبر بالاعدام وتعرض ابنه الاخر الى تفجير ارهابي في بغداد احرق بدنه بالكامل وكان قاب قوسين او ادنى من الموت لولا رعاية الله وحفظه . عانى السيد (ابو عقيل)
الكثير من اجل الوطن في العمل السياسي وان اشد العذاب عندما لا تكون هناك اذن صاغية ووعي مستدام من قبل رفاقه في العمل الذين في قلوبهم اطماع دنيوية ومادية شخصية وكما قالوا (ان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة) ولكن تحمل السيد وصبره اذاب المشكلات وتجاوز العقبات من اجل هدف اكبر وهو العراق ومستقبله . لم تزده زيارة المسؤلين الكبار له وقناصل الدول المختلفة في البصرة الا تواضعا ودماثة وكانوا يتمنون ان يطلب منهم طلبا واحدا لتلبيته الا الوصية بمساعدة الناس والعمل على استقرار العراق والجانب الامني ليتسنى للشعب العيش بسلام ، اربأ بنفسه عن استغلال منصبة من اجل صفراء او بيضاء او سمعه او جاه ووظف منصبه وامكانياته من اجل المظلومين والشهداء وابنائهم .كتب السيد في السيرة والتاريخ والاخلاق والفقه وعلوم اهل البيت من خلال منشورات المؤسسة التي لم يكتب عليها اسمه مكتفيا بلجنة التاليف او مؤسسة البلاغ وفي بعض المجلات الاسلامية . كتب المرحوم ما مجموعه 120 كتابا ضمت نحو 150 الف صفحة وانتشرت كتبه في 8 ملايين ونصف المليون نسخة في انحاء العالم الاسلامي في 27 لغة مختلفة بحسب احصاء اولي اجرته مؤسسة البلاغ . كان السيد هاشم الموسوي شامخا كنخلة البصرة تنمو بصمت وتثمر بصمت وتعطي بصمت وتموت بصمت ، افتقدنا رجلا امينا تعامل مع العراق باخلاص ووفاء وتركنا في ظرف نحن احوج اليه من اي وقت ، ابتعد عن الدنيا ولم يسقط في حبائلها فترك صفحة بيضاء لم تلوث وخلف ذكرا طيبا على السنة الناس ،عفى الله عن الفقيد العزيز وحشره مع اجداده الطاهرين وعوضنا بمن يسد مسده .
