قدمت الحكومة تطمينات في مناسبات عديدة، بشأن التدابير التي تتخذها في مواجهة الأزمة المالية، مستبعدة التعرض الى رواتب الموظفين والمتقاعدين، عادة هذا الموضوع خطاً أحمر بالنسبة لها، برغم أنها لم تقدم أية برامج بديلة لمعالجة تدهور أسعار النفط، وإيجاد موارد جديدة للميزانية العامة، من خلال إستثمارالقطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، ولاسيما السياحة الدينية، مكتفية بإعلان حالة التقشف، والرهان على القروض الخارجية، التي فرضت قيوداًعلى السياسة الوطنية في الجانب الإقتصادي، والتي تلقي بإنعكاساتها السلبية على الواقع المعيشي للمواطن.
وإزاء غياب الرؤية الإقتصادية، كان أمام الحكومة خياران : الأول الرهان على عودة العافية الى أسعار النفط، وهو خيار معلق بعلم الغيب، أما الخيار الثاني فهو تخفيض النفقات، ولما كانت الحكومة لاتملك مشاريع إعمار، ولا مشاريع إسكان، ولا مصانع قيد الإنشاء، ولا طرقات لفك الإختناقات المرورية، ولا مستشفيات حديثة بمواصفات عالمية أو حتى محلية، لم يبق أمامها سوى رواتب الموظفين والمتقاعدين، وهو الخط الأحمر الذي يمكن تجاوزه أو بالأحرى دعسه على مراحل، بدأ بـ ” 3 %”، ثم ” 4.8% “، وكلما شعرت الحكومة بالضيق زادت من نسبة الإستقطاعات، وعلى مجمل الراتب الكلي، أي الراتب الإسمي زائداً المخصصات، ولسنا بصدد مناقشة قانونية هذا الإجراء من عدمه، لكن كيف يتم فرض إستقطاعات جديدة على راتب الموظف، الذي يخضع في الأصل الى جملة من الإستقطاعات، بمعنى أن الراتب جرى إستيفائه من القطوعات، وتسلمه الموظف بعد أن دفع الى خزينة الدولة التوقيفات التقاعدية، وضريبة الدخل، والحماية الإجتماعية، الى جانب قطوعات أخرى لايعرف لها عنوان أو إتجاه، وبالإمكان الرجوع الى بودرة الرواتب للإطلاع على أشكال وأنواع الإستقطاعات، حتى يأتي الراتب الى الموظف ” صاف مصفى”، وعليه فإن أي إستقطاع يخالف القاعدة العامة التي تنص على عدم جواز الاستقطاع من الجزء الذي تم الاستقطاع منه، ثم أن المبرر الذي تتعكز عليه الحكومة في فرض إستقطاعاتها هو صرف رواتب لجهات أخرى، أو إغاثة اللاجئين، غير ملزم للموظف، وانما هو من واجبات الحكومة.
أما المتقاعدون، فغير مشمولين أصلاً بأي إستقطاع، كون الراتب الذي يتقاضونه قطعي ونهائي ولايشملون بترقيات أو علاوات.أخيراً، إذا كانت الموازنة الحكومية كلما تتعرض الى هزات، تلجأ الحكومة الى إستقطاع رواتب الموظفين، فماذا ياترى يفعل الموظف بموازنته الخاصة، ولاسيما أن أسعار السلع والخدمات في إرتفاع مستمر؟.