لكل مجتمع حضارة وثقافة تميزه عن المجتمعات والأمم الأخرى ، واحدة من تلك المميزات (الرمز) يتخذون إنسانا كان جزءا من تأريخهم في حركته الدينية أو السياسية أو الأقتصادية أو الثقافية حسب متطلبات و حركة الواقع آنذاك يتخذونه رمزا قومياً او دينياً ، يحتفلون بولادته او وفاته خصوصاً إذا أغتيل وأحيانا تكون عطلة رسمية في تلك الدولة. مثلاً لدينا في الولايات المتحدة يوم يسمى بيوم مارتن لوثر كينك قائد حركة الحقوق المدنية للمواطنين الامريكان من أصل أفريقي. استذكار شخصية لوثر كينك تكون من خلال رمزيته كقائد من قادة الحقوق المدنية كيف أسهمت هذه الشخصية في ترسيخ ثقافة التحرك السلمي وحشد طاقات الامة من أجل الاعتراف بحقوقهم كجزء من نتاج الامة وتطلعات أجيالها اللاحقة ولهذا مثلا توجت حركته النضالية المثيرة لمن يقرأها بماعُرفت بالحقوق المدنية للمواطنين الامريكان من أصل أفريقي أو المواطنين السود الذين عانوا أشد المعاناة والقسوة في واقعهم وظروفهم اليومية من قبل الرجل الأبيض المستعبد لهم . حركتهم انبثقت من رحم معاناتهم ونتيجتها قوة معنوية ألهبت فيهم تلك الروح والاصرار والقوة. مناسبة الحديث في هذه الجزيئية هو الربط بين حركة واقع التاريخ الحديث من المجتمع الامريكي الذي نحن جزء منه وقد تأثرنا بهذا الاستذكار بطريقة ايجابية تُشعرنا بالافتخار أن الانسان عظيم في مواقفه وكيف نستحضر قيم من رحلوا ، في نفس الوقت أرى استحضاراً مسيئاً لمفهوم الرمزية في مجتمعاتنا الاسلامية وسأكون دقيقاً ( الشيعية ) وحصرا لدى شيعة العراق. هناك رموز دينية لدى شيعة العراق دائما مايكون استحضارها استحضارا بكائيا، لطمياً وهي الحركة التي تميزت بها التجمعات الشيعية في المناسبات الدينية وأصبح في اللاوعي الشيعي أن حركة اللطم هي حركة واقعية يمارسها في فرحه أو حزنه وانعكست على نتاجه الثقافي . السؤال من هي تلك الرموز الدينية وماذا تمثل لهم؟ نعلم أن الشيعة هم طائفة دينية او مذهب ديني من المذاهب الاسلامية ينتسبون الى الخليفة الرابع والامام الاول في ترتيب الأئمة الاثني عشرية لدى الشيعة الامامية علي بن أبي طالب ( ع ). هؤلاء لهم مظلومية سياسية بالدرجة الاساس من قبل أنظمة الحكم ابتداءاً من عهد معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الاموية المعروف عنه بممارسة الاضطهاد والعنف السياسي ضد كل من يثبت تشيعه لعلي بن ابي طالب . الباحث في التاريخ الاسلامي يستخدم مصطلح العنف السياسي وليس الطائفي او المذهبي لأن عليا وابناءه الحسن والحسين لم يكونوا أصحاب فقه اسلامي بالمعنى المتعارف او الاكاديمي والمذاهب الاسلامية الخمسة ظهرت بعدهم بأكثر من سبعة عقود من الزمن مثلا ( المذهب الجعفري ) نسبة الى جعفر بن محمد الباقر أي بعد علي ( ع ) بأربعة وسبعين عاما أما المذهب الحنفي فيأتي بعد الجعفري من حيث الترتيب الزمني وهكذا بقية المذاهب الاسلامية الأخرى . حتى بعد معاوية ونهاية حكم الدولة الاموية الذي قارب المئة عام ، استمرالاضطهاد السياسي ضد الشيعة في عهد خلفاء الدولة العباسية ، رمزية أئمة الشيعة تأتي من الناحية المعنوية وقيم مبادئ الانسان المتحرر من عبودية الظلمة والمطالبة بالحياة الحرة الكريمة وهذا مانلمسه في أحاديثهم وتوجيهاتهم لأبناء الامة الاسلامية كلها تدعوا الى الخير والاصلاح ومواجهة الظلم وعدم الحاق الأذى بالآخر واداء الامانات من قبل الحكام فأصبحت لدينا ثقافة عليا في مبادئ مجموعة او طائفة من الأمة ترفض أن تكون جزءا من الواقع الذي حرفه حكام الدولتين الاموية والعباسية . هذه قيم انسانية يفتخر بها كل انسان وهو يقرأ سيرة هؤلاء الأئمة فهي قراءة وعي وضمير كما أن ضميرنا ووعينا تفاعل مع حركة الأمريكان السود كذلك يأتي باحث تاريخي فيتفاعل مع حركة علي او الحسن او الحسين مرورا بموسى بن جعفر الذي اعتقل بسبب مكيدة سياسية باعتبار أن من يحكمون آنذاك يستشعرون منه الخطر على حكمهم ، ولهذا تعرض الامام موسى بن جعفر الى ظلم الاعتقال من سجن الى سجن آخر ولأكثر من عقدين من الزمن انتهت حياته داخل السجن من خلال دس مادة السم في طعامه كان ذلك في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد. عندما نأتي الى حركة المجتمع الشيعي الذي ميٌز نفسه عن المجتمع الاسلامي بسلوك او بطقوس يرى فيها اثارة او استنهاض لوعي المسلم الآخر وهو يرى هذا الشيعي كيف يستحضر مناسبات رموزه الدينية بالطريقة التي أصبحت اليوم مثار سخرية واستنكار حتى ممن ينتسبون الى التشيع قد يكون ذلك الاستنكار مستفزاً لمن يمارس طقوسه كماهي اليوم في شوارع العاصمة بغداد حيث قوافل الجمال والخيل ورجال يتزينون بالزي الاسلامي القديم الى مواكب التشييع الرمزية ، هي ممارسات شعبية لاعلاقة لها أصلا بمفهوم الاستذكار لشخصية رسالية في فترة زمنية من تاريخ الأمة. قد يقوم بها من لايؤدي واجباته وفرائضه كمسلم من حيث الصلاة والصوم والحج الى بقية الفرائض والعبادات . الخطورة تكمن في أن وسائل الاعلام ومؤسسات الدولة تتماشى مع رغبة وممارسات تلك المجموعات حتى تحولت الى مايسمونه بالعبادة أي أن عبادة الخالق مرتبطة بتلك الممارسات ومن يقف ضدها هو مخالف لشريعة السماء. أصبح هذا الواقع مستفزاً لحركة وعي الانسان ونظرته الى الدين حينما يرى جهٌال المجتمع يتسيدون الشارع العراقي ( الشيعي ) وليس المعنى الجُهٌال من لايقرأ ويكتب انما من مسخ عقله وأنزله الى مراتب دونية في السلوك مع أولئك الذين حُرموا من الذهاب الى المدارس وقراءة التاريخ والبحث عن فنون ادوات المعرفة . السؤال بعد هذه المقدمة النقدية ، كيف نستحضر رموزنا الانسانية وليست الدينية ؟ أقول أن موسى بن جعفر رجل علم وتقوى ، رجل فاضل في مواقفه أراد لنفسه اولا أن يكون ذات قيمة انسانية في أمته لاتغره مظاهر السلطة ولو أنه أرادها لتقرب من الخلفاء العباسيين لصلة القرابة فهم أبناء عمومة، فقط يجاملهم ويبارك لهم سياساتهم ومنها ماتعرف ب ( الفتوحات الاسلامية )! وبهذا يضمن حياته ويبقي شرهم وشكهم بعيداً عنه. لكن الامام الكاظم كمايسمى أيضا أراد أن يكون رمزاً في مواقفه من خلال نزاهته وعلمه النافع والمخلص في رأيه ومشورته . السؤال هنا كم من أمثال موسى بن جعفر لدى شيعة العراق منذ العام 2003 والى اليوم باعتبارهم يحكمون ويقودون أنفسهم وقد ضجت التقارير بملفات فساد قادة الشيعة ؟! هنا تكمن حقيقة مأساة الواقع الشيعي المثير للشفقة والسخرية أيضاً. اجابتي للسؤال عن كيفية استحضار تلك الرموز يكون من خلال التبرء أولا من أي علاقة مع الكيانات السياسية المتورطة في ملفات الفسادين المالي والاداري وهذه الكيانات لاتتوانى لحظة واحدة في ضرب من يكشف حقيقتهم اما باعتقال لتهم باطلة او ممارسة التسقيط السياسي او الاجتماعي او الاغتيال . هم يؤدون نفس اداور السلطة السياسية لعصر هارون الرشيد ولكن بادوات جديدة. الاستحضار الثاني لمثل هذه المناسبات يكون من خلال التأكيد على مشروعية حركة الاحتجاجات السلمية باعتبارها تمثل رمزية مواجهة الظلم والفساد في الأمة ، أولئك الشباب الذين يُعتقلون وتهان كرامتهم من قبل جلاوزة المنطقة الخضراء أليسوا رمزا وطنيا كماهو موسى بن جعفر المعتقل ؟ وأقول في معرض الحديث أن في العراق أرضا خصبة لكل فتنة عمياء تتفشى وتنتشر بطريقة لارادع لها نتيجة ازدواجية شرعها بعض الفقهاء الذين تتطابق مصالحهم مع حركة جُهٌال المجتمع . وبات من الصعب اجتثاث طقوس شركية تارة وطقوس متخلفة باعتبار أن لتلك الحركة وكما أسلفت وسائل اعلام تروج لأفكارهم وقد هدٌمت حركة الوعي وجعلته أسير موروث وواقع جديد. لاأجد الا المواجهة فيمانكتب لنضمن لنا قراء يتحركون ضمن دائرة البحث بعد طرح الاسئلة بينهم وبين أنفسهم قبل أن تكون مباشرة من الكاتب اليهم. علينا أن نحطم صنمية اللاوعي الشيعي لنضمن مستقبلاً أفضل ويكون تمهيداً لدور الناخب العراقي في الانتخابات القادمة وقد يستغرب القاريء هذا الطرح المفاجئ ، هناك مواجهة بين حركتين في المجتمع حركة التخلف الذي يقوده كل منتفع فاسد وهؤلاء ضد أي حركة تجديدية لانها ستعريهم وتكشف بؤس حركتهم المضللة وقد استغلوا اندفاعة الفقراء والمحرومين في مناسبات رموزهم التي يعتبرونها رمزا للعدالة والحياة الحرة الكريمة ، وحركة تنويرية تمثل صوت الانسان الحر الذي لايهادن ولايخاف ، هؤلاء وجدنا قسما منهم في ساحة التحرير والقسم الآخر يدافعون عن الوطن ضد الارهاب الدولي المنظم .