من “حق” مديرية إعلام مليشيا الحشد الشعبي، الاحتفال بنيلها جائزة الإبداع التقديرية عن الفيلم الوثائقي “الحشد الشعبي”، خاصة حينما يأتي هذا التكريم من مصر، وذلك خلال مشاركتها بالدورة الخامسة لمونديال القاهرة للفن والإعلام، الذي ينظمه اتحاد المنتجين العرب لأعمال التليفزيون، بالتعاون مع قطاع الإعلام والاتصال في الجامعة العربية .
ويعد هذا التكريم هو الثاني من نوعه لهيئة إعلام مليشيا الحشد، بعد أن كُرمت في الملتقى المصري العراقي ضد “الإرهاب”، قبل أكثر من أسبوع.
لكن هل من حق مصر أن تقوم بمثل هذا التكريم، متجاهلة كل الجرائم الإرهابية الطائفية التي قامت بها هذه المليشيا بحق العراقيين، وعلى مرأى ومسمع الجميع ؟!.
إن هذا التكريم يتناقض مع فكرة الإبداع وأهدافه الذي يهتم بحياة البشر وكينونته الإنسانية، بينما تمارس مليشيا الحشد أبشع أنواع القتل الطائفي وترهيب المدنيين وترويعهم بحجة مقاتلة تنظيم داعش. كما أن تكريم الحشد الشعبي في مونديال القاهرة للفن والإعلام، يأتي بمثابة مشاركة وتمجيداً للفكر الطائفي المقيت الذي تحمله هذه المليشيا، وبالتالي يخالف رسالة الفن والإبداع، التي تمثل مصر أحد أبرز قلاعه.
لكن ثمة قراءة أخرى لتكريم مصر لهذه المليشيا المرتبطة عقائدياً بإيران، ليس بمعزل عما سبق ذكره، حيث يعكس هذا التكريم، وجهاً أخر من أوجه المصالح على حساب المبادئ والقيم التي ما فتئت قيادات مصر السياسية رفع لواءها على مدى عقود من الزمن، باعتبارها الدولة الأم لباقي الدول العربية وحاملة “لواء العروبة” .
يبدو من خلال ما تقدم، أن هذا التكريم هو تكريم سياسي، يأتي في سياق تقارب مصري ملحوظ في الآونة الأخيرة بإتجاه حكومة بغداد، على حساب العلاقة مع الرياض، على خلفية وقف شركة “أرامكو” السعودية إمداد مصر بالنفط “المدعم”، بعد أن أيدت الأخيرة قرار روسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، الذي عارضته دول الخليج وعلى رأسها السعودية.
وسبق هذا التكريم جدل واسع في الشارع المصري قبل أسابيع قليلة، بسبب عرض صور مرشد إيران “علي خامنئي” في القاهرة، من قبل إحدى القنوات الفضائية المصرية، حيث اعتُبر تقارباً مصرياً إيرانياً على حساب العرب وخاصة دول الخليج .
على القيادة المصرية وكل الفعاليات النقابية بمختلف ألوانها، أن تعي بأن طهران تنظر إليها باعتبارها أهم دولة عربية، لها نفوذها السياسي والثقافي في المنطقة، لذلك تسعى لأن تجعل القاهرة عمقاً استراتيجياً لها، عبر محاولاتها إيجاد موطئ قدم فيها.
في هذا السياق لا بد من التذكير، بأن الأمن المصري قد ألقى القبض على مجموعة عرفت بإسم “خلية حزب الله”، قبيل ثورة كانون الثاني يناير، عام 2011، بهدف تحقيق اختراق سياسي وأمني للوصول إلى مصر، عبر “حزب الله” اللبناني المصنف عالمياً وعربياً منظمة إرهابية.
لذا على مصر تسوية خلافاتها، وأن لا تتجاهل عمقها العربي، من أجل الحصول على دعم من هنا وهناك، كيلا تقع في الشَرَك الإيراني، الذي ابتلع اربعة عواصم عربية، فما حصل من تكريم في القاهرة لذراع إيران في العراق “مليشيا الحشد” الطائفية، أمر معيب ولا يليق بها.