تحتل الإمامة عند الشيعة منزلة كبيرة, وهي الأساس العقائدي والمحور الذي يرتكز عليه الإسلام الأمامي. الأئمة جميعهم, وفق العقيدة الشيعية, يمثلون الإرادة الإلهية, وهم يسيرون وفق شريعة إلهية تعتبر دستوراً مقدساً, والأمام لا يُشكك بتعظيمه لذلك الدستور. وسيرهم المتواترة عند الشيعة, تشير بوضوح إلى مرونة تعاملهم من أجل خلق فرص أفضل للحياة.
إنّ تراجم الأئمة, من أقوال وأفعال, تعد دروساً ثريةً لمواجهة مشاكل الحياة, وعادةً ما تدعو إلى عدم الجمود النصّي وتشدّد على الحركية والموضوعية. بكلمات أخرى: يرى الشيعة أنّ أئمتهم تركوا منهجاً مكتملاً قادراً على هدايتهم إلى سبل النجاة في الحياتين. الأمام الحسن, حفيد الرسول محمد, والخليفة بعد أبيه الأمام علي, أنتجت ظروف معينة تنازله عن الخلافة لصالح معاوية. تنازل الحسن لم يأتِ ضعفاً أو عن رغبة في التنازل, بل هو جزء من صفقة عرفت تاريخياً بـ”صلح الأمام الحسن” وفي الحقيقة أنّ ذلك “الصلح” هو عبارة عن محاولة لحقن الدماء وإيقاف الحرب, آمن به الأمام الحسن وغلّبه على تطبيق الدستور الإلهي الذي يفرضه خليفة شرعياً. ولحادثة “صلح الأمام الحسن” سابقة أخرى, فالشيعية يؤمنون بالأمام علي خليفة أول منصّب بوصية من الرسول, ولكنّه آثر الصمت حيال “السقيفة”, حفظاً للوحدة وحقناً للدماء. تلك من البديهيات الوجدانية والعقلية الشيعية التي لا يختلف في صحتها أثنين, كما لا يختلفون على إعتبار أنّ الدستور “النص القرآني المقدّس” و “الحديث النبوي” كلها شواهد تثبت أحقية الأئمة الأثني عشر بالخلافة, غير أنّهم فضلوا التسوية والتفاوض كمبدأ لا محيد عنه. والعقل الشيعي, يُدرك أيضاً أنه ملزم بأتباع تلك السير, ويعدها ممارسة واعية, وتشير بوضوح إلى حرص وقراءة الأمام للأحداث ونتائجها. ومن تلك المنطلقات, نجد أنّ السياسي الشيعي الحوزوي, أكثر إلتصاقاً بسير أوصياء الرسول, من السياسي الشيعي الذي يتسم بالجمود والقراءة السطحية للتاريخ والأحداث.
ثمة قراءات مثيرة للسخرية نشرت حول مبادرة “التسوية الوطنية” تثبت عقم بعض الرؤوس, وتوقفها عند لحظة زمنية, منتظرة بلوغ مارثون السلطة القادم. إنّ تلك السخرية متأتية من إنتماء تلك الشخصيات لتيارات إسلامية شيعية, وإحتجاجها على بنود وثيقة التسوية بداعي وجود بعضها في الدستور أو تقاطع بعضها الآخر معه, مفترضة إنّ ذلك العقد تم تطبيقه بإلتزام حرفي, ومتحججة بقدسيته. الواقع الذي تضع نفسها فيه, يقتضي كونها مدركة للتاريخ, فالأمام الحسن, قدّم التسوية على الدستور عندما إستشعر الخطر.
إنّ عدم فهمهم لدرس الحسن, جعلهم يبتعدون عن نهجه, وحسب عقيدتهم فهذا إشكال كبير. ومن لم يستفد من تجارب التاريخ, تصعب عليه معرفة إحتياج الدستور لصعقات تُحيي بعض أطرافه المجمّدة, وأنّ السياسية في العراق, لا تمارس كما في أوربا مثلاً؛ رغم أنهامرّت بمراحل حروب وصراعات, إلى أن وجدت طريق الحوار, فأستطاعت أن تحيا..
من لا يرى أزمة المكونات العراقية, فقد أصابه الكمه, ولا ريب أنّ تلك الأزمة بحاجة ماسة لتأسيس حلول جذرية تطوي صفحة صراع طويل. وتلك المكونات لا تمثّل معاوية!..