يبدو أن خسائر العراق النفطية لا يتحمل وزرها الاحتلال فقط كما هو مشاع وكما نسمعه دائما وإن كان يتحمل جزء من المشكلة ، بل إن أبناء البلد الذين شغلهم الانتقام ، والثأر، وتصفية الحسابات عن بناء دولتهم العتيدة ، التي شكوا لعقود نهبها من قبل البعثيين وأذنابهم يوم كانوا يملئون مقاعد المعارضة في طهران ولندن وواشنطن ، تركوها وراء ظهورهم لصالح تصفية حسابات عرقية وطائفية ، ملئت شوارع العراق بالدماء ، وحواضره بمخيمات التهجير ، وتظهر الارقام كم المليارات التي خسرها العراق بسبب الاهمال وسوء الإدارة ، كما جاء في دراسة الخبير في شؤون الطاقة الأستاذ ( نزار حيدر ) الذي يعمل في قسم البحوث بشركة ( D . T . I ) الأمريكية لشؤون الطاقة ، أن خسائر الاقتصاد العراقي في قطاع النفط بلغت نحو ( 493 ) مليار دولار مابين عامي (2003-2011 ) فقط ، وهي خسائر ناجمة عن سوء الإدارة والتخطيط وتعطل المشاريع وتأجيلها ، كما أن هذه الأسباب أدّت في الوقت ذاته إلى ضياع ( 8.5 ) مليون فرصة عمل محتملة كان من الممكن أن ترفع دخل المواطن السنوي من (3500 ) دولار إلى ( 18 ) ألف دولار سنوياً .
وذكرت الدراسة أن “خمس سنوات قد أهدرت قبل أن تتوصل حكومة المالكي إلى الخطوة الضرورية لتحريك عجلة الإنتاج النفطي للوصول إلى معدلات إنتاج مقدارها (3.1) مليون برميل في نهاية عام ( 2011، و3.7 ) مليون برميل في عام 2012 “.وقدّر الباحث خسائر العراق المالية الناجمة عن تأخر المشاريع الإنتاجية للنفط بما مجموعه ( 227 ) مليار دولار بين أعوام ( 2006-2011 ) و ( 538 ) مليار دولار بين أعوام ( 2012-2016 ) في حالة محافظة أسعار النفط على معدل سعر يعادل ( 80 ) دولارا للبرميل الواحد”.وأشار حيدر إلى أن “خسائر العراق الاقتصادية من تأخر مشاريع الغاز الطبيعي تقدّر بما مجموعه (52.9 ) مليار دولار بين عامي ( 2006 و 2011 ) و ( 147 ) مليار دولار بين عامي (2012 و2016 )، وستصل الخسائر الإجمالية إلى 5.3 ترليون دولار مقتربة بذلك من خسائر العراق الاقتصادية نتيجة الحروب التي خاضتها البلاد إبان عهد صدام حسين والبالغة نحو( 7.8 ) ترليون دولار .هناك الكثير من التقارير التي تتحدث من مختلف المصادر المحلية والدولية ، عن تعرض النفط العراقي الى عمليات تهريب واسعة النطاق ، من قبل عدة أطراف منها ؛ عصابات منظمة استغلت الفراغ الأمني ، وضعف الدولة ، وانتشار الفساد في ارجاء مؤسسات الحكومة ، والطرف الثاني وهو الأهم ؛ الأحزاب النافذة في الحكومة العراقية ، إذا أشارت تقارير أمريكية الى قيام أحزاب كبرى مؤسسة للحكومة بتهريب النفط العراقي إلى إيران بنصف السعر المتداول دوليا، وتقوم الاخيرة بتصديره في عملية اقتسام للأرباح تتم بأشراف حكومتي البلدين ، وفي هذا الباب يدخل كذلك ما تقوم به حكومة إقليم كردستان العراق ، التي تعاقدت مع شركات عالمية لاستخراج النفط ، دون الرجوع الى الحكومة المركزية بحسب الدستور الذي يجعل من الثروات ملكا سياديا لا يحق للمحافظات والاقاليم التصرف فيه في إطار صلاحيات اللامركزية التي أقرها في إدارة العراق الجديد ما بعد الاحتلال .
ينص الدستور العراقي على أن إبرام التعاقدات النفطية يتم عن طريق شركة تسويق النفط العراقية (سومو) فقط ، وان أية تعاقدات خارج هذا الإطار تعد مخالفة للقوانين ، لذلك الإنتاج الذي يتم في حقلي ( طق طق ) و ( طواق ) من قبل الشركات النرويجية والكندية بالتعاقد مع حكومة كردستان العراق لا مجال لتصريفه إلا عن طريق الشاحنات الحوضية عبر الحدود مع إيران ، لذلك تعتبر هذه العمليات عمليات تهريب غير شرعية ، فهناك حدود مفتوحة للإقليم مع إيران لذلك حكومة الاقليم لا تتبع القوانين المركزية في العراق ، وهناك مشتري من ايران يشتريه بسعر اقل من السعر العالمي ، كما أن هناك مصاف صغيرة في كردستان بدائية تأخذ النفط الخام وتحوله إلى منتجات مثل زيت المحركات، والبنزين، ومنتجات أخرى، النصف الآخر من هذا المنتج هو زيت الوقود المعروف بـ (المازوت) الذي لا يمكن استخدامه في كردستان ، والعراق عنده مسبقا فائض منه ويخلطه مع النفط الخام ، لذلك حكومة الإقليم تعطي إجازة تصدير رسمية لأشخاص مقربين منها يصدرونه الى إيران .
هناك تهمتان موجهتان إلى الأكراد :
1_ تعطيل قانون النفط والغاز
2_ تهريب النفط عبر الحدود.
حكومة الاقليم تنفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلا ، إلا أن صفقة الحكومة الأخيرة مع شركة (RWA) وبموجبها سيتم ضخ 20 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي عبر مشروع خط أنابيب (نابكو) ستفاقم الخلاف مع حكومة بغداد، وهذا الخط هدفه تقليل اعتماد أوربا على غاز روسيا من خلال تحويل إمدادات خط قزوين إلى تركيا ومنها الى اوريا .
لذلك عطل الأكراد إصدار قانون النفط والغاز والسبب أن لا مصلحة لهم في صدور القانون لأنه يؤسس مجلسا اتحاديا للنفط والغاز الذي يقر السياسات والاستثمارات في العراق، وهم يبحثون عن الاستقلال في القرار النفطي فعطلوا القانون، وذهبوا إلى عقد عشرات عقود النفط مع شركات نفط عالمية، وهو ما يجعلهم مستقلين عن العراق عمليا.
لابد من أتخاذ الخطوات اللازمة للحد من هذهالسرقات العلينه والتي تتم بمباركة دولية بسبب فائدتها المادية من النفط العراقي ، ولابد من تشريع قانون جديد يضمن حقوق النفط العراقي وعائداته المادية لتقوية الاقتصاد وأنشاء المشاريع التي تكون كفيلة بعدم أعتماد الأقتصاد العراقي على مصدر واحد وهو النفط .