تعتبر صناعة السينما وتطورها مظهرا من مظاهر تطور الأمم وعلامة بارزة على وعي شعوبها ورهافة حسها وتذوقها لجمالية الحياة ، وهي أيضا تحقيق قدرا كبيرا من الدعاية للبلد الذي يهتم بصناعتها فعظمة دول متقدمة لم نتعرف عليها إلا من خلال ما تنتجه من أفلام فخمة تستعرض خلالها مدنها من أبنية عظيمة وأماكن وشوارع جميلة وتقدمها بأبهى صورة للمشاهد في إنحاء العالم كافة فتحقق غرضا سياحيا أيضا ،لذا فإنها تحرص على الدعاية لما تنتجه من الأفلام وإقامة المهرجانات الدولية والجوائز الكبيرة لها من خلال مؤسسات متطورة . ومثلما تهتم في صناعة الأفلام فهي تهتم كذلك بدور عرضها السينمائية ، فقد شيدتها على طرز فخمة وجعلت لها طقوس ساحرة تبهر مرتادها فلا يستطيع الاستغناء عنها حتى أصبحت جزء من كيانه وذاكرته .ومن يرى الأفلام الأجنبية ويسمع بأرقام المبالغ التي تصرف على إنتاجها ومبالغ إيرادات عرضها يصاب بالذهول فإنتاج بعضها قد يكلف عشرات الملايين من الدولارات وإيراداتها تفوق كلفة إنتاجها . ومحاولة صناعة سينما عراقية بدأت في الأربعينات واكبها بناء دور عرض جميلة تأثر طرازها بالعمارة الأوربية وفي السبعينات وحتى التسعينات ازدهرت صناعة الفلم العراقي واستيراد الأفلام من جميع أنحاء العالم وتزايد عدد دور العرض لدينا حتى وصل الى الأربعين ، صرف على إنشاء بعضها مبالغ طائلة وجلب أثاثها من بلدان متقدمة مثل سينما النصر وبابل وسميراميس وغيرها وكان بعضها ترتاده الأسر العراقية تستمتع من خلالها بأوقات سعيدة وأمسيات جميلة فمتعة الذهاب الى السينما كما هو معروف لا يضاهيها متعة مشاهدة أفلام السي دي ولا غيرها فهي متعة ذات نكهة خاصة يعرفها الجميع تبدأ من لحظات الاستعداد للذهاب الى السينما حيث يرتدي المرء أجمل ما عنده من ثياب ومرورا بالدخول إليها والجلوس والاستقرار قي مقاعدها والاستمتاع حتى بظلمتها ورائحتها التي تثير في النفس شتى مشاعر البهجة. بعد التسعينات بدأ الانكسار لهذه الصناعة والإقبال على دور العرض حيث الحصار الاقتصادي آنذاك وحتى السقوط عام 2003 دور العرض لدينا تحولت الى ورش نجارة وأماكن لخزن الحبوب، وصناعة السينما غائبة تماما رغم أننا لدينا كوادر تستطيع أن تجترح المعجزات في العمل السينمائي فهي تمتلك من الخبرات التي اكتسبتها من خلال الدراسة داخل وخارج القطر والعمل الميداني الكثير، فمتى نلمس اهتماما ونرى جهودا حقيقية تبعث الحياة لصناعة الفلم العراقي .؟ ومتى نشاهد دور العرض في مدينتنا بغداد وباقي المحافظات وقد استعادت رونقها ورجعت مثلما كانت من قبل مصدرا من مصادر البسمة والترفيه لأفراد وأسر المجتمع العراقي سؤال نوجهه الى وزارة الثقافة والجهات المسؤولة في الدولة، لنشهد بانبعاثها جانبا مشرقا ومهما من بناء حضارتنا الجديدة وإنساننا العريق بحضاراته السالفة .