وقف جانباً ينتظر إنفضاض الزحام على الصيدلاني، لكن أعداد الداخلين الى الصيدلية كان يتزايد، فأخذ يحاكي نفسه ” أدري متفقين الكل على أن يأتون الى هذه الصيدلية، يبدو صاحبها مرزوق، اللهم لاحسد، أو الوادم كلهم مرضى”، التفت اليه الصيدلاني، بعد أن طال إنتظاره من دون أي تداخل منه، فسأله ” حجي إتفضل”، فرد عليه ” لا، كمل اللي عندك”، غير أن الصيدلاني ترك زبائنه، واقترب منه ” محتاج شي؟”، وكان في ظنه أنه يريد ” مساعدة” لكن يغلبه الحياء، قال الرجل السبعيني : سؤال فقط، “هذا الدواء هل يمكن أن آخذ منه بين يوم ويوم”، نظر الصيدلاني الى الدواء، وكان من أدوية القلب، وقال : لا، لكن هل تشعر بأعراض جانبية عند تناوله، يعني يؤذيك؟.. رد عليه : ” لا، لكنه يؤذي جيبي، والطبيب مصّر مثلك على أخذ جرعة منه يومياً”، طيّب، قال الصيدلاني، هناك “ماركات” أخرى أرخص، بإمكانك ان تأخذها، وقبل أن يكمل حديثه قاطعه ” بوي ما تشتغل، جربتهه، وردت أروح بيهه”!!، وفي محاولة لحسم الحوار معه، قال الصيدلاني : إذاً عليك أن تراجع العيادة الشعبية للحصول على الدواء ببطاقة الأمراض المزمنة، فرد الشيخ ساخراً : أنت “عود حليتهه”، عندي بطاقة، لكن دوائي ” ماكو”، وإذا وجد في شهر من الشهور فمن أردأ المناشيء والنوعيات، يعني “تاخذه لو ما تاخذه نفس الشي”، ذهب الصيدلاني بإتجاه إحدى الرفوف وجاء بعلبة الدواء وقدمها للرجل على سبيل الصدقة، لكن الرجل المسن أبى وقال بوجع : ” إنجدي أدوية بعد”، وخرج من الصيدلية غاضباً.
دار لغط في الصيدلية، بعضهم يحاول أن يمدح الصيدلاني على موقفه النبيل، ويذم الشيخ ” أكرع ونزهي”، وبعضهم أخذ يسب الأوضاع، ويشتم الحكومة التي لم توفر الدواء لذوي الأمراض المزمنة بأسعار مدعومة، فيما إستذكر آخرون الأدوية التي كانت توزعها العيادات الشعبية بشكل منتظم، ومن أحسن المناشيء، برغم الحصار، الى جانب صيدليات “بلاط الشهداء” التي كانت توفر الدواء بأسعار مدعومة، قال أحد المتحمسين، ويبدو من لهجته أنه من الناشطين في مواقع التواصل الإجتماعي، ومنظمي التظاهر من أجل الإصلاح : لنخرج هذه المرة أمام وزارة الصحة ونرفع شعار ” نرجوكِ إعطنا الدواء ياعديلة”.