الحروب في العراق هي قصة لم تنته منذ أول السلالات السومرية وجماجم سنحاريب وحتى مدافع بعشيقة .انها رواية كل فرسخ من ارض ميزوبوتاميا ، فصلها الأول خواطر التجانيد والتطوع وخاتمتها نعش تحمله الاكتاف الى واد لا تنبت فيه سوى دموع الاهل والزائرين ، يسمونه في لغة العدم والنحيب ( مقبرة ).
لهذا متلازمة الحرب والمقبرة صورة اشياق غريب بين معول الدفان ورتبة الجنرال وطغراء الملوك التي يبصمونها على بيانات الحروب ، وقديما كانت اور تقول لمن يموت في حرب :انت من بيت تحبه الالهة.
هذا اذا كان من بيت شهيد واحد ، أما اذا كان في البيت اكثر من شهيد ، فهذا يقول عنه السومريون : تحبهُ السماء كلها حتى اذا كانت الهتها من الصين والهند وطنطا.
منذ اول سبيعينات القرن الذي رسم فيه بيكاسو جورنيكا وكتب في سارتر الوجود والعدم واعدم فيه عبد الناصر سيد قطب ، وقتل فيه الفاشيست فكتور جارا ، تعود العراقيون على تلاحق الليالي تباعاً في مجيء نعوش ابنائهم آتية من شمال بنادق البرنو وشراويل اخواننا الكرد .أول حروب القرن العشرين كانت هناك ، وثاني الحروب في عبادان ، وثالثها في حفر الباطن ، ورابعها في بغداد ، وخامسها في الفلوجة ، وسادسها في تلعفر ونينوى.فصول معبدة بالعويل وهلاهل انتصار في كل مرة يكتب فيها الشعراء وداع الحروب ، لكنها في غفلة تعود.لا ادري لماذا هذه الحرب مقدسة للغاية ، ليس تمجيدا لواحد أو لنائب او لعالم دين أو رئيس . أنها اليوم حرب بدون رمز وشاخص ، فهي للبلاد التي ينبغي ان تعيش بدون قساة وتكفيريين .حرب ضد داعش وماعش وباعش ، ومن يموت فيها شهيدا وفي هاتفه النقال كل رسائل الغرام تعطيه الالهة كل زغاريدها . وبيته سيصبغَ دكته بالحناء هذا اذا كان الشهيد واحدا ، لكن ( فالح صيهود ناطور ) عامل الطين والساكن في الحي العسكري في مدينة الناصرية قسمَ دمعته ونواحه بين حربين ، حرب عند صدام واخرى عند داعش .
ولد خريج اعدادية صناعة مات في كيلان غرب ، وآخر قبل عرسه بشهر مات في بنجوين .وثالث كبر بعد التحرير مات في الخالدية والاخير اتوا به امس مستشهدا في حرب الساحل الايسر في نينوى.
يفكر الان ( فالح صيهود ناطور ) بزهو غريب ، ويتأمل لافتة ولده الاخير شهيد نينوى ، ويقرر ان يعيد تجديد اللافتات القديمة الاخرى ويثبتها بقوة في الجدار الى جانب لافتة آخر اولاده …
ابن ولده صعد على صفيحة معدن يدق بالمسامير اللافتات الاخرى فأحس الاب ان حفيدة لايضرب على المسمار بقوة ليثبت قطعة القماش في الجدار بقوة .
صاح الجدُعلى حفيده : اضرب بقوة يا أبن ولدي فبيت فالح لن يتهدم……………..!