بعيد غزو العراق عام 2003 وخشية انتشار الخمور و المخدرات والامراض الجنسية الوبائية القاتلة بين الشباب وبناء على استقراءات موضوعية سابقة استمرت ﻷكثر من عامين قبل الاحتلال توصلنا خلالها الى ان اميركا تخطط لفتح الابواب على الغارب امام الحريات الشخصية بشكل مبتذل تحت يافطة – هم ..قراطية – لإباحة جميع الموبقات الفكرية والحسية – وهذا ماحدث بالفعل – وبناء على ذلك اطلقت مجموعة من الناشطين حملة توعية تتضمن تعليق ملصقات وﻻفتات تحذر من مخاطر الادمان الكحولي والدوائي فضلا عن المخدرات والايدز والهربس والسفلس والكبد الفايروسي الناجمة عن الوشم والحقن الملوثة و التهتك والاباحية الجنسية في حركة استباقية قبل وقوع الكارثة – ابو داعيكم – كلفت بتعليق الملصقات واللافتات في البابين المعظم والشرقي إضافة الى شارع الرشيد ، وبالفعل بدأنا عملنا وﻻفخر وكان كل اصحاب المحال والمقاهي والمارة يثنون على صنيعنا – بارك الله بيكم .. كثر الله من امثالكم …حيووو الطيبين – وكان بعضهم يساعدنا في تعليق ورفع مانحمل – وآني مصدك من كل عقلي – وبعد ساعات وبكل همة ونشاط ملأنا الأعمدة التي تميز شوارع بغداد القديمة بدءا من المعهد الطبي التقني ، مرورا بشارع الرشيد وصولا الى الباب الشرقي وهناك استرحنا من شدة التعب والأرهاق تحت نصب التحرير – الذي لم يتعرض الى السرقة في زمن الغزاة ..تصووور – و كلمات الثناء مازالت تنهال علينا من كل حدب وصوب ، حتى تحولت شخصيا الى – غريندايزر – وإقترحت تطوير الحملة لتشمل باصات نقل الركاب ليتسنى لأكبر عدد من المواطنين قراءتها واذكر انني ذهبت الى مجمع كبير للحافلات الحمراء – ام الطابقين – وسط بغداد فلم أجد حافلة واحدة وسألت بعفوية ” العفو ..وووين الباصات ؟!
قالوا ” ياباصات ابوووية ..كلها راحت للتفصيخ وتم حوسمتها، شأنها شأن الوزارات والمصانع والمنشآت والبنوك والمصارف .. شتريد منهه ؟!!” قلت ” الحقيقة نريد ان نعلق تحذيرا من مخاطر المخدرات والخمور والاباحية داخلها ، واذا بالناس إﻻ من رحم ربك مخدرة وغائبة عن الوعي من كااااعها !!” .
عدت خائبا بعد ان تضاءل سقف طموحي قليلا..ﻷصدم بتمزيق جميع اللافتات والملصقات التي علقناها قبل ساعات فتذكرت كيف مزقت نظيراتها او رميت في مكبات النفايات يوم وزعنا أحكام الزكاة وفضل الصدقة ومفالة الايتام أيام الحصار الجائر بعد ان تذرع التجار والموسرون بأنهم ﻻيعلمون شيئا عن أحكامها ..ولن أنسى كيف ظل ملصق واحد معلق – قلت الحمد لله ..هذا بعده سلامات ، لعل تاجرا يقرأه فينفق ، واذا بي أجد مكتوبا تحته ( الحديث في الملصق ، مرسل من مراسيل ابي داود والمرسل حكمه حكم الضعيف !!) ..اخذت القلم وكتبت تحته ( اكتب انت الحديث الصحيح وعلقه بدلا منه وآني الممنون ..المهم عندي ان التاجر يقرأ ويطعم وينفق ويتصدق ) فرفع بعد ايام ﻷنه اصبح بنظر بعضهم جدارا للمراء والجدل ، والمراء بين الاخوة ﻻيجوز !! العفووو و منع الزكاة والصدقة في زمن الجوع والحرمان ..يجووووز ؟؟؟
يقول الروس في واحد من أجمل امثالهم ” الصديق السيئ كالظل، لا تراه إلا في الأيام المشرقة” ، وهذا النوع من الصداقة الخبيثة التي يتسم صاحبها بالغياب والتواري عن الانظار في الايام المعتمة والظهور في النيرة منها تحديدا لـ” يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ،، ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ ” كثر في العراق اليوم ، ليس هذا فحسب بل واصبح هذا النوع من المفترسات والطفيليات المعتاشة على الفساد بكل أشكاله وصوره يخشى ظهورك في الغابة التي يصول ويجول بين أدغالها متكئا على قانون المخلب والناب ، مع ادعائه صداقتك ولو كان ظهورك في غابته رمزيا او دعائيا اذ انها بنظره القاصر بمثابة صحوة قد تدق مسمارا في نعشه وتضع موطئ قدم في مستعمرته يصدق فيها ماقاله ، الشاعر العراقي المغترب ، احمد مطر، في إحدى ﻻفتاته الشعرية ” إثنان في أوطاننا يرتعدان خيفة من يقظة النائم :اللص والحاكم .. اذ ان الفرد في بلادنا مواطن او سلطان ، ليس لدينا انسان ” .
ولعل واحدة من الظواهر التي لفتت انتباهي في بلاد مابين -النارين – هو تمزيق اللافتات والصور والملصقات الدعائية والانتخابية وحتى التجارية من قبل – الاعدقاء – خشية المنافسة اوالاقصاء او التهميش ، او تصحيح المسار ومحاربة الفساد المالي والاداري والسياسي المستشري في كل مكان ..بل ووصل الحال الى تمزيق صور – المفقودين – بعيد تعليقها ايضا ، لعل احدا يعرف شيئا عنهم فيتصل بأقاربهم على وفق الارقام المكتوبة اسفل الصور ، ايها الممزقون دعوا الأمور تجري في أعنتها وكفاكم تناول الفتات بتمزيق اللافتات واتركوا فسحة للمنافسة الوطنية والسياسية السلمية وبالاخص ان انتخابات مجالس المحافظات باتت قريبة جدا ، لتمهد بدورها الى انتخابات نيابية جديدة – بلكت عثرة بدفرة – ويتغير الحال الى الافضل وان كنت اشك في ذلك تماما ، بظهور احزاب وتكتلات وتحالفات وائتلافات جديدة بعضها يأمل الشارع فيها وفي برامجها خيرا – مجرد أمل والأمل مو عيب – وما اضيق العيش لولا فسحة الأمل ..بل وبظهور معارضة جديدة ايضا شعارها الاصلاح والانقاذ والرقابة والتغيير نحو الافضل ..فهل ستمزقون كل شيئ أمامكم ، حتى الصور والكلمات والامنيات ؟ ألم يكفكم ما افسدتم ومزقتم طيلة 14 عاما خلت ؟ ثوبوا الى رشدكم ان كان فيكم بقية من رشد ، فلو دامت لغيركم ماوصلت اليكم ..ياااافتات البشر ويافتوات الفوضى قراطية غير الخلاقة “بطاطا ” !! اودعناكم اغاتي