17 نوفمبر، 2024 7:21 م
Search
Close this search box.

يا حسين يا ضمير الأمة… هكذا نرد لك الجميل، بالاحتفال وضرب الدفوف!!!

يا حسين يا ضمير الأمة… هكذا نرد لك الجميل، بالاحتفال وضرب الدفوف!!!

أما في بلدي مسلم من أتباع رسول الله؟؟ أم أنهم لم يسمعوا قط عن فاجعة مقتل الحسين ابن علي التي بكى لها الرسول الأكرم قبل وقوعها؟ ألم يسمعوا عن الدم الذي سفك وهدر ظلما وعدوانا في سبيل صلاح هذه الأمة والترفع بها من الفتن، والظلم والاستبداد ؟؟.

وقبل الرد على هذه الأسئلة التي تبدو للبعض غريبة، اسمحوا لي أن نمر معا على بعض الأشياء التي وجبت الإشارة إليها كي تستقيم الفكرة وتتوضح الصورة وتصبح خالية من الرتوش.

إنها انتكاسة حقيقة تلك التي تصيبني مع اقتراب اليوم العاشر من شهر محرم في كل سنة، ويقشعر بدني عندما أرى أجواء الاحتفال تملئ شوارع المدينة صخبا وضوضاء، حيث جرت العادة كل سنة في بلدي أن نخلد مناسبة عاشوراء بطقوس وعادات اختلفت من منطقة لأخرى إلا أن ما يوحدها جميعها أنها أجواء يطبعها الاحتفال، إنه احتفال بمعنى الكلمة، تقام فيه بعض الطقوس كاجتماع النساء من أجل ضرب الدفوف وترديد الأغاني والأهازيج، عادات كنت أجهل سببها ومعناها وحتى تاريخها…

كان بودي أن أجد جوابا يشفي غليل السؤال الذي ظل يخامرني منذ طفولتي لكن سؤالي ذاك ظل حبيسا، لعدة سنوات لأن الجواب الذي كنت أتلقاه لم يكن يروي عطشي ولم يجد لسؤالي طريقا للخلاص.

كان السؤال عن سبب كل هذه الاحتفالات لكن الجواب عادة ما يكون: “لقد وجدنا أجدادنا على ذلك” ولم يكن أمامي سوى معايشة ذلك الواقع والاستمرار عليه، كنت مثلي كمثل جميع الأطفال ننتظر التفاتة الآباء لنا، في هذه المناسبة لشراء العاب وثياب جديدة، يومين أو ثلاث أيام قبل اليوم العاشر من محرم، لأن اليوم العاشر مخصص لاستقبال الضيوف وإعداد الولائم بعد أن تنهمك النساء في وضع أحسن الثياب والحلي والاهتمام بزينتهم وضع الكحل وتخضب الأيادي بالحناء. وهناك من يصم هذا اليوم تقربا الله حسب التعبير السائد، وتستمر العادات على هذا الحال كل سنة.

طويت الأيام وجرت السنوات وسؤالي كان يكبر وينموا، وبحثي كان مستمرا، إلى أن اخبروني في نهاية المطاف أننا نحتفل بيوم  عاشوراء لأنه اليوم الذي نجّا فيه الله نبيه موسى من بطش فرعون، بعد أن شق الله لموسى (ع) وأتباعه طريقا في البحر، وأغرق فرعون ومن معه.

كنت أظن أنني وجدت البلسم الشافي، الذي سيطلق صراح السؤال الذي حيرني لكن ما حدث هو العكس تماما  لأن هذا المعطى أتعب تفكيري وزاد ذهني، علل على علته الأولى. فإذا تأملنا التاريخ بروية وتبصر نجده مليء بالأحداث والانتصارات العظيمة التي تستحق الاحتفال والتبجيل كاليوم الذي نجا الله نبيه نوح من الطوفان، واليوم الذي نجا فيه الله نبيه إبراهيم من النار، واليوم الذي نجّا في عيسى من البطش ورفع، واليوم الذي نجّا الله فيه يوسف من غدر إخوانه بعد أن القوه في غيابات الجب، واليوم الذي نجا الله فيه حبيبه محمد من القتل مرتين في فراشه وفي غار حراء، ترى لماذا لا نحتفل بهذه الأيام أيضا أم أن نبي الله موسى، أعلى درجة من باقي الأنبياء؟؟؟.

كان الأمر سيكون مستساغا لو أننا دولة يهودية،نؤمن بموسى كنبي لله دون سواه، لكن وحسب علمي البسيط أن حتى اليهود لا يقومون بالاحتفال بيومهم هذا بالدرجة التي نحتفل بها نحن كدولة إسلامية ربها الله، ورسولها محمد (ص).

يوم عاشوراء يا أيها الناس هو ذكرى استشهاد سيد شباب الجنة، سبط رسول الله،سيدنا الحسين (ع). يوم عاشوراء هو اليوم الذي بثر فيه رأسه وتم التمثيل بجثته بعد أن جار عليه جيش يزيد بن معاوية، فتجرءوا عليه وأحلوا دماءه وقتلوا اخوته واصحابه وأرهبوا أطفاله وأهينت وسبيت نساءه.

انه يوم الفاجعة الذي قتل فيه أشرف خلق الله على يد أنذل خلق الله، لا لشيء فقط لأنه ثار من أجل رفع الظلم واحلال العدل وتثبيت دعامة السلم والديمقراطية. حيث قال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون “أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء. “

 

أنا اعلم علم اليقين أن الاحتفالات التي تقوم بها الأسر المغربية ليست بنية الاحتفال بمقتل الحسين (ع) معاذ الله، ولكن يجب أن نقبل الواقع الذي يصرخ بأننا ضحية طمس وتزييف وإضمار للحقيقة الضائعة، فأتحدى أن يأتيني أحد بمقرر دراسي في المغرب  يسرد واقعة مقتل سيدنا الحسين بتفاصيلها، وقبلها، ثورته وأسبابها الحقيقة وأتحدى من يقول أن مادة التربية الإسلامية والتاريخ الإسلامي  لدينا غير منقوص وغير مغشوش، وهذا لا يمكن أن نسميه سوى خذلان وعدم الاعتراف بالجميل، لأن الحسين ابن علي كان فدائيا حقيقا أراد أن يحرك الأمة الإسلامية الساكتة، وجعل دمه على كفه، فإما حياة كريمة وعزة نفس، وإما موت الشهداء، انه كان يمثل ضمير الأمة للتمسك بحقها في منح الحكم والسلطة لمن يستحقها ولمن هو كفئ لها لان من حق الأمة أن تختار وليس من الواجب أن يفرض عليها أحد، لقوله الرسول محمد (ص): (أول ما يتغير في الإسلام الحكم، وآخر ما يتغير الصلاة). فهل هو هذا جزاء الحسين؟؟؟.

ثورة الحسين (ع) هي ثورة الحق على الباطل كان من الواجب علينا أن نستخلص منها الدروس والعبر وترسيخ مبادئ وأفكار، لو رسخت في أذهان الشباب اليوم، لعرفوا كيف يدافعون عن مصالح أمتهم ورفعة دينهم، ولعلموا أن الإسلام كان أول من جاء بالديمقراطية والنزاهة والشفافية والعدل، عبر تقفي منهج التشاور والإجماع على اختيار الرجل المناسب القادر على آن يوصل سفينة الأمة إلى بر الأمان، الرجل الذي يستوفي كل شروط الحكم من صلاح وعدل وحرص على صيانة مصالح الرعية والخوف عليها من الفساد والفتن، وأن لا يحكمها رجل ظالم، قطع وصله بالدين وحلل ما حرم الله.

هذه هي الأسباب الحقيقة التي ثار من أجلها الحسين وهي الأسباب التي ضحى بنفسه من أجلها ابن بنت رسول الله، ضد خليفة ظالم أراد اعتلاء السلطة غصبا دون إجماع الأمة عليه واخذ البيعة بالسيف والمال علما أن حسينا كان أحق بالخلافة أضعافا مضاعفة ليس لأنه حفيد رسول الله ولكنه الأصلح والأعدل ناهيك على أنه مبشر بالجنة، بل ولقب بسيد شباب الجنة، فلا يمكن لأحد أن يتعرف على  صفاته ومناقبه وفضائله دون أن يحبه، ولا يمكن لأحد أن يهيم  بحبه إذا لم يتعرف عليه لقول الرسول (ص): “حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسينا”

وهذا حديث مشهور يعرفه حتى قتلة الحسين فكيف تجرءوا على قتله؟؟؟.

لقد ذهب الحسين من أجل أهداف سامية، وحتى لا يفرض يزيد ابن معاوية على الأمة، طعنا في مبادئ الحكم في الدين التي تعتمد على التشاور وقبول العامة، لذلك فان ثورته كانت في إطار الحفاظ على الدين ومبادئه لان يزيد أراد أن يحكم الناس بالقوة سواء بالترغيب أوالترهيب، وذلك بعد موت أبيه الذي كان قد روج لخلافة ابنه، طعنا وغدرا في الاتفاق الذي اتفق عليه معاوية وسيدنا الحسن الذي تنازل عن الحكم من اجل الحفاض على دماء المسلمين لكن على أساس أن الحكم بعده سيكون عن طريق الاستفتاء والانتخاب لا عن طريق السيف والمال والتوارث خصوصا إذا كان الخلف لا يصلح ولا ينفع ويخالف المنهج الإسلامي في الحكم، ثانيا الحسين كان أفضل من يزيد وهو أحق بالخلافة منه لأنه أكثر علما وأكثر صلاحا وأكثر قبولا من طرف الأمة. ومع ذلك قال الحسين عليه السلام قبل استشهاده: “إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا رماح خذيني، ويا سيوف قطعيني”.

هنا نستنتج مرة أخرى أن خروج الحسين كان في إطار نصرة الدين لقوله تعالى: “ان تنصروا الله ينصركم” والمغزى من هذه الآية هو نصرة الدين – أي دين الله – وليس الله نفسه لأنه في غنى عن ذلك، لكن قد يتساءل البعض ويقول “أن الحسين لم ينتصر،نعم انه لم ينتصر عسكريا، ولكن أحيانا صاحب المبدأ قد يقتل ويستشهد ولا يستقيم الأمر لقاتليه وهذا هو النصر الأكبر، خصوصا وان هذه الثورة كانت ابرز الأسباب وراء تزعزع وسقوط الدولة الأموية، لقد انتصر الحسين لأنه استشهد على حق وأعداءه ماتوا على باطل وبئس الخواتم لقول المستشرق توماس كارليل: “أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وانصاره كان لهم ايمان راسخ بالله وقد اثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحق والباطل، والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلة الفئة التي كانت معه”.

هكذا كانت ردة فعل الأوربيين من مقتل الحسين، وكيف للمغرب الدولة المسلمة لازالت لحد الساعة تعيش على وقع الاحتفالات في مثل هذا اليوم، الحساس، الم يدرسونا ويعلمونا أننا الدولة الادريسية الحسنية؟؟، فلا يعقل أن نكون كذلك ونحن جاهلين تماما بتاريخ أهل بيت رسول الله، وأنا على يقين أن القول “الاحتفال بالعاشر من محرم يمثل ذكرى نجاة موسى عليه السلام، من بطش فرعون” مجرد ادعاء لا اساس له من الصحة لان السنة العبرية تختلف عن السنة الهجرية، ولم يكن مصطلح عاشوراء وارد قبل الحسين، فكان ذلك مجرد ذر للرماد في العيون، لستر المصيبة، كم يؤلمني هذا الحال في الوقت الذي اسمع فيه مفكرين وعلماء كبار غير مسلمين غشيهم الحزن وتحمسوا لسماع قصة ثورة الحسين وتمنوا لو كان منهم، كما قال  المفكر المسيحي انطوان بارا: “لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين”

 وقال بعضهم ايضاً:

 عجيب هذا الرجل .. !!!

يموت بجسده فتحيا أمة كاملة ..

ويقتل مــرة فيولد ألف ألف مرة ..

ويصرع وحيدا بلا ناصر فترى الملايين يلبون نداءه ..

ويقضي عطشانا فيظل ذكره على ألسـنة الشاربين ..

ويرحل غريبا فيصبح قبلة للعاشقين ..

ويطفأ نور طلته فيمسي شعلة الثائرين ..

وكل ذلك في رجل!

لا تعجبوا .. فهكــذا هو .. مثل جده وأبيه .. هكــذا هو الحسين..

لكن العبرة التي يجب أن نأخذ بها هنا انه بدون تضحيات حقيقية لا يقوم الحق .

* صحفية من المغرب العربي
مقيمة في اسبانيا
متخصصة بالشأن العراقي
رئيسة تحرير القسم الاسباني في موقع assafirpress

أحدث المقالات