اتضح لنا من مقالنا في الجزء الاول ان شيعة علي “ع” لم تكن لهم حاضرة غالبه في الكوفة ,نتيجة التركيبة البيئية الدينية والسياسية والتعددية القبلية واللغوية وكانت تقصدها الناس طلباً للمعيشة نتيجة الازدهار الاقتصادي فيها بعد اسقاط دولة كسرى والسيطرة على العراق , و سائرة على نهج الشيخين ,ورافضة لاي مشروع لاولاد علي وفاطمة .
السؤال .؟ لماذا اصر الامام الحسين “ع” القدوم الى الكوفة اذا لم يكن هناك من يقبله فيها ,بعد خيانتهم لمكاتباتهم التي راسلوه بها , وبعد غدر وقتل سفيره مسلم ابن عقيل “ر.ض” .؟ نجد هناك اكثر من اجابة ويمكن تحديد بعضها في هذه الاسطر البسيطة .
يذكر المؤرخون ان الكتب التي وصلت للحسين “ع” في المدينة المنورة كانت بالالاف تطالبه بالقدوم اليهم مع ضمان النصرة له , ويذكر ان بعضهم اعاد ارسالها لاكثر من مرة , طالبين الخلاص من ظلم بني امية في الكوفة , وهذه الكتب بعضها كانت حقاً طالبت النصرة والخلاص و صادقة الاهداف , كالتي ارسلها محبي وموالي علي “ع” امثال هانئ ابن عروة وبعضها كانت للمناورة , وللحصول على المكاسب والمغانم في حال انتصار الحسين “ع” كالتي ارسلها شبث ابن ربعي ومن شاكلوه ومنها كانت للايقاع بالامام كالتي بعثها الخوارج فهم كانوا يتمنون صراع الامام مع الامويين لانهم على التل والصراع مربح لهم .
فالامام الحسين “ع” عندما خرج من مكة المكرمة كان رافعاً شعار الاصلاح في امة جده رسول الله “ص” ولا رجعة في ذالك مهما كانت النتائج , كضعف القاعدة الجماهيرية او قوتها , فهو السبيل الوحيد لانقاذ الدين والامة ولاطريق اخر غير التضحية بالنفس والشهادة , لاحداث انتفاضة ضد السكوت على الانحراف الذي اصاب الاسلام بعد شهادة علي ابن ابي طالب “ع” , وخروجه كان اعطاء شرعية الثورة ضد الحاكم الظالم الذي ادخل البدع للاسلام والتي منها لايجوز الخروج على الحاكم , مع علمه سلام الله عليه بنتائج خروجه مسبقاً من جده رسول الله “ص” ولما سيصيبه ويصيب عياله بعده , وقد اقفلت جميع الطرق امامه بعد قتل سفيره مسلم “ر.ض” , فكانت الامة مصرة على قتله مهما كانت وعودها وقد اكد ذالك لاصحابه السبعين مراراً , وفي ليلة الطف بقوله ان القوم يطلبوني اتخذوا اليل جبلا .
لو لم يستجب الامام الحسين “”ع” للمراسلات والكتب لاعتبره التاريخ مقصرا حاشاه , ,لو لم يستجب لدعوات أهل الكوفة لأدانه التاريخ ولقال إنَّ الحسين ــ والعياذ بالله ــ قد فرَّط في المسئوليّة الإلهيّة المناطة به، وذلك لأنَّ الظروف قد تهيَّأت له بعد أنْ راسله الآلاف مِن أهل الكوفة وجمع كبير مِن الوجهاء ورؤساء العشائر، وأكّدوا له أنّهم على استعداد تامّ لمناصرته وأنَّ الكوفة متهيِّئة لاحتضان ثورته، وأنَّه ليس مِن العسير عليهم طرد الوالي الأموي .