18 ديسمبر، 2024 7:44 م

فنطازيا ألوان أخرى من العدالة!

فنطازيا ألوان أخرى من العدالة!

حدّثني صديق أنّه حصلت له يوما من الأيام مفارقة عجيبة مع العدالة وطبعا هذا كان في قديم الزمان حيث أنّه كان لتوّهِ عائدا من الخارج وبعد أن باشر أعمال وظيفته تم تكليفه بإجراء كشف موقعي في موقعٍ ما فاستدعى السائق وخرجا إلى ذلك الموقع وبعد أن سلكا طريقا غير مزدحم عبر بعض المناطق السكنيّة ظهر لهما فجأةً باص خشبي من تلك الباصات التي كان من المألوف مشاهدتها في الشارع وربما ما تزال موجودة في القرى والأرياف إلى يومنا هذا ، وحصل الحادث بسرعة البرق وكل الشواهد والقرائن تشير إلى أن صاحبنا سائق الباص هو مقترف الحادث حيث أنّه خرج من شارع فرعي دون أن يتوقّف وأنه قد وقع الحادث وهو خارج المسار المخصص له ومكان الضربة يُستدلّ منه على أن صاحب الباص هو الذي ارتكب الخطأ وكان صاحبنا هادئا حتّى تم استدعاء الشرطة وعملوا مخطط وذهبوا إلى مركز الشرطة ووقفوا في الرواق ينتظرون إجراءات الضابط الواحد بعد الآخر وبعد أن استدعى الضابط جميع من شاهد الحادث استدعى الضابط صاحبنا القادم لتوه من الخارج وطلب منه أن يروي له ما شاهده ففعل ولكنّ الضابط قال له فجأةُ: ولكن الشهود من الركاب الذين يحملهم صاحب الباص وسائق الباص ومساعده يقولون أنّك أنت الذي كان يقود السيارة الصغيرة؟ وعند هذه اللحظة انقلب الحديث والتحقيق كلّه باتجاه نفي صاحبنا لموضوع قيادته للسيارة الصغيرة ولكن دون جدوى فالركاب يقولون أن هذا وهم يومئون إلى صاحبنا القادم من الخارج لتوّه ويُقسمون أنه هو من كان يقود السيارة الصغيرة ولم تنفع شهادة سائقه أمام عدد الشهود الموصوفين وأوشك الضابط أن يُلقي بصاحبنا في التوقيف  لأنه لا يحمل رخصة قيادة رسميّة، حتّى أسرع سائقه واتّصل بالمؤسسة التي يعملون بها وحضر فورا شخصُ له شئ من النفوذ تلك الأيام وحاول كثيرا ولكن دون جدوى أيضا حتّى اتّفق مع الضابط على أن يتم اعطاء سائق الباص شيئا من المال لكي يتنازل عن الدّعوة وعن التعويض الذي يمكن أن يطالب به صاحب الباص وانتهى الأمر مع الشرطة ومع الباص ولكن بقي موضوع المؤسسة الرسميّة التي يعملون فيها ، ماذا سيقولون لهم؟
اقترح المفاوض الجديد أنّه لا مفرّ من أن يتم إلقاء التبعة على أي شئ آخر ، مثل ماذا؟ قال سأكتب لكما تقريرا يفيد أن الحادث وقع عندما خرج عليكما فجأةُ حمارٌ وبالنظر للمفاجئة لم يكن ممكنا تفادي الحمار إلاّ بملاقاة الباص
يقول صاحبي لقد أوشكت على القئ لفرط الكذب والتلفيق ومجانبة الحقيقة وحيث أنّه لم يكذب في حياته قطّ فقد ظلّ يتذكّر الموضوع كثيرا وكأنّه قد ارتكب عارا شنارا فعلا ويقول صاحبنا أنّه بقي لا يستطيع ذكر ما حدث لأي شخص لأنّه يخشى أن يبتسم من سيحدّثه ويقول له: وهل حقّاُ كان هناك حمار؟ أم….؟ امّا من فاوض الضابط في المركز فقد كان على الدوام يروي الحادث على أنّه لولاه لما كان صاحبنا الآن طليقا ولا يهم هل كان على حقّ وأنّه لم يكن يقود السيارة كما ادّعى أم تهرّبا من تهمة قيادة سيارة بدون رخصة رسميّة؟!
وعندما يتم تذكّر الحادث فإن أحدا لا يريد الرواية الحقيقيّة لأنها غير مشوّقة والجميع يبتسمون وهم يشكّون في ما يروى وعيونهم تسأل: هل حقّا كنت يا فلان لست أنت الذي يقود السيارة الصغيرة؟
وخسرا ما يسدّ تصليح السيارتين وكذ ّبا ورجعا إلى مؤسستيهما وصاحبنا يردد في سرّهِ أغنية أم كلثوم( ظلموني الناس ظلموني…والجاني سابوه واتهموني
                 ظلموني والحقّ معايا…..وسقوني من مرّ أساهم
                 الحقّ أهو باين في ايديّ…ويقولوا دا الحقّ عليّ)
  عدالة بعض الفصول العشائريّة.
وحدّثني آخر أنّه حصلت مشادّة بين رجل بسيط وبعض أبناء العشائر وحمى الوطيس وضرب كلٌّ منهما الآخر ثم تدخّل بعضهم وانتهى الأمر إلى جلسة فصل عشائري
كان الرجل الذي هو من أبناء بعض العشائر قد ادّعى أن الآخر قد اعتدى عليه قبل الجلسة ولمّا حضر الإثنان سارع أحد أقارب المدّعي إلى أن يقول أن المعتدي ليس هو الحاضر بينهم بل هو آخر وحصلت ضجّة سارع السادة من أبناء أهل البيت إلى تهدئتهم ولكن الأصوات علت وكلها تقول أنه ليس هذا طيّب من إذاً ولماذا كل هذا التبديل؟ تبيّن بعد اتنهاء الجلسة وبعد الحكم على المعتدي الجديد بفصل معتبر نقول تبيّن أن المدّعى عليه الأساسي كان فقيرا وليس ابن حمولة كبيرة ولهذا فإن الفصل سيكون أقلّ مما يتوقعون لهذا ادّعوا أنّه آخر وركّبوها برأس شخص آخر من عائلة وحمولة ثريّة لكي يستطيعوا قبض مبلغ مناسب

الوالي الجديد..!
وهنا تذكّرت بعض القصص التي يرويها بعض بعض الرحالة الأجانب فمثلا كان في المراحل المبكّرة من العهد العثماني أنه عندما يتم تعيين واليا جديدا في إحدى الولايات النائية يسير الباشا الجديد إلى ولايته على رأس كوكبة من الحرس محفوفا بالرايات ومحمّلا بالخلعة وهي بزّة الباشويّة مع الرتب والنياشين ومعها كتاب الأمر الهمايوني أي السلطاني المختوم بختم البادشاه وكذلك ختم الصدر الأعظم ولكن إذا كان الوالي الجديد يعلم أن الولاية التي هو ذاهب إليها مليئة بالإضطرابات والشغب والقلاقل فإنه يكون على استعداد لقبول عرض يحمله إليه بعض فرسان العشائر أو العصابات أو سواهم من المتنفذين ويتضمن العرض تسليمهم الأوامر والخلعة ويتسلّم منهم مبلغا كبيرا من المال ولمّا لم يكن التصوير الفوتوغرافي قد تم اختراعه بعد فإن الوالي المزوّر يلبس الخلعة ويظهر أمام الناس في القشلاغ أي معسكر وديوان الولاية ويقرأ أحدهم الأمر الهمايوني بتعيين الوالي الجديد الذي طبعا سيتّخذ إسم الوالي الحقيقي و( لا من شاف ولا من درى)فليس هناك من يعرف الوالي الحقيقي ويتم إخبار الباب العالي أن الوالي الجديد فلان الفلاني ( الأسم الحقيقي) قد باشر بإعمال وظيفته وكذ كذا …إلخ
جوازات عامّة..!
وفي نفس سياق الطرائف السابقة كانت جوازات السفر إلى عهد قريب في كل من العراق والكويت والمملكة العربيّة السعوديّة تصدر للنساء بغير صور فوتوغرافيّة ولهذا كنت تسمع من يدقّ عليك بابك مرارا في المساء ليسأل إن كان جواز إحدى البنات أو أمهم صالحا فإن كان كذلك أخذنه وسافرن به بعد أن يحفظن إسم صاحبة الجواز واسم أبيها وأمها وقد يقضين شهرا في سفرتهم أو يزيد حتّى يرجعن فيُعدن الجواز وقد تستعيره أخرى أو قد تستعير صاحبة الجواز من إحدى صاحباتها جواز سفر آخر لتلتقي بالأولى في السفر أو لتستعيد جوازها ومع كل هذه التسهيلات فقدكانت تحصل طرائف فتُحجز بعض النسوة بسبب أخطائهنّ في ذكر اسم الأم أو الأب عند نقطة العبور .