23 نوفمبر، 2024 12:27 ص
Search
Close this search box.

قانون منع الخمور عندما يرتدي السياسي عمامة رجل الدين 

قانون منع الخمور عندما يرتدي السياسي عمامة رجل الدين 

من المعروف في علم دراسة الشخصية ان السياسي عندما يشعر بعجزه عن تقديم افكار ومبادرات يمكن من خلالها خدمة الشريحة التي يمثلها فانه يلجاء الى خيمة الدين يتمسح بها للظهور بصورة  الرجل الحريص على بيضة الدين وبهذا يشتت اي جهد لمحاسبته على تقصيره او فساده او ضعف قدراته وكذلك لاحراج خصومه باجبارهم اما على تأييد خطواته ليبدو بمظهر القائد بينهم او مخالفته ليظهروا بمظهر اعداء الدين بل ان الاهداف في بعض الاحيان تذهب الى ابعد من ذلك لتكون ذات اثار مستقبلية بحيث يصبح كل من يريد تغيير ماقام به مستقبلا في وضع محرج كما فعل على سبيل المثال صدام حسين عندما قام بوضع كلمة (الله اكبر) على العلم العراقي منطلقا من رغبة دفينة بان تبقى بصمته حتى بعد اختفاء شخصه ولعل افضل وصف لمثل هذا الفعل هو ماقاله الامام علي بن ابي طالب عليه السلام بقوله (كلمة حق اريد بها باطل ) . 
في ظل انشغال العراقيين والعالم بمتابعة البطولات التي يسطرها الجيش العراقي والقوات الامنية وبمساندة قوات حماية الاقليم والحشد الشعبي في مواجهتهم لخوارج العصر وكلاب اهل النار من دواعش وحلفائهم , وفي حين تتوجه صلوات الامهات وخفقات قلوب الاباء الى مايحصل في جبهة الموصل وفي ظل التهديدات التي تطلقها دول اقليمية للانتقاص من سيادة العراق , خرج علينا مجلس النواب بتمرير قانون اقل ما يمكن ان يقال عنه بانه صدر في وقت غير مناسب وهو القانون الذي اطلق عليه قانون منع الخمور وان كانت التسمية القانونية له هو (قانون واردات البلديات ) والذي تضمن فقرة يتم بموجبها حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها . من الوهلة الاولى يبدو المشروع بانه صدر من اجل المحافظة على ثوابت الدين والمحافظة على المجتمع من الاثار المدمرة للخمور على الشباب على وجه الخصوص . لكن على مايبدو ان المشرع الكريم والذي انتظر ثلاث عشر سنة منذ تغيير النظام في العراق للتفكير في هذا القانون كان على عجلة من امره في الدفاع عن بيضة الاسلام فاغفل حقيقة ان هذا القانون سوف يشكل خرقا للدستور والقوانين الدولية ولمباديء الديمقراطية بل وحتى لمباديء الدين الحنيف . وهذا ماسوف نتناوله في هذا المقال. 
ان اول مايخرقه هذا القانون هو المباديء العامة لحقوق الانسان والتي هي المبادئ الأخلاقية أو المعايير الإجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يفُهم عموما بأنه حقوق أساسية لا يجوز المس بها فهي مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونه إنسان؛ ملازمة له بغض النظر عن هويته أو مكان وجوده أو لغته أو ديانته أو أصله العرقي أو أي وضع آخر. وحمايتها منظمة كحقوق قانونية في إطار القوانين المحلية والدولية. وهي كلّية تنطبق في كل مكان وفي كل وقت ومتساوية لكل الناس، وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته. في مقدمة الحقوق التي تحميها القوانين والتشريعات الدولية حقوق السلامة الشخصية أمن الإنسان وحريته. فلكل امرء حق في الحياة والحرية وفي التمتع بالأمان على شخصه، وكذلك فهي تقر حرية التعبير عن المعتقدات بالأقوال والممارسة؛ فهي تكفل لكل شخص حرية الرأي والتعبير والوجدان والدين والتجمع فلكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة خاصة على صعيد المأكل والمسكن والملبس والعناية الطبية والتعليم . حيث ان العراق وكما اكد ذلك الدستور العراقي هو شعب يتكون من اعراق وطوائف وديانات واقليات متعددة فقد جاء هذا القانون لاجبار كافة تلك الاقليات على اتباع توجه مخالف او غير ملزم لهم . اذا ماتجاوزنا القانون الدولي فان هذا القانون يشكل خرقا لمباديء الديمقراطية التي اكد عليها الدستور العراقي لسنة 2005 الذي اكد في مادته الاولى على ان العراق دوله اتحادية جمهورية نيابية ديمقراطية اي انها ليست دولة دينية وبالرغم من ان دين الدولة الرسمي هو الدين الاسلامي فان ذلك لايعني ان يتم التجاوز على حقوق الاقليات الاخرى بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية حسب تفسير الذين قاموا بتشريع القانون والافان ذلك يعتبر خرقا للفقرة (اولا /ب) والفقرة (ثانيا ) من المادة الثانية التي تؤكد على احترام مباديء الديمقراطية وتؤكد على احترام وضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين. كذلك يعد هذا القانون خرقا للمادة 14 من الدستور التي تعتبر العراقيين متساويين دون النظر الى الدين او العرق وكذلك يعتبر هذا التشريع خرقا للمادة (15) التي تضمن الحق في الحياة والامن والحرية والمادة (17) الخاصة بحق الخصوصية الشخصية والمادة (37/ثانيا ) الخاصة بالحماية من الاكراه الفكري والسياسي والديني والمادة (41) الخاصة بتنظيم الاحوال الشخصية وفقا للدين والمذهب والمعتقد والمادة (42) الخاصة بحماية حرية الفكر والضمير والعقيدة والمادة (43) الخاصة بحرية ممارسة الشعائر الدينية خصوصا ان الخمر يدخل في الشعائر الدينية لبعض الاديان مثل الدين المسيحي الذي تعتبر المناولة فيه من الطقوس الكنسية الاساسية . وقد اكدت المادة (46) من الدستور على ان  لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية.وهذه المادة هي الرد على من يتمسك بنص المادة الثانية الفقرة اولا والتي تؤكد على انه لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام , فالالتزام بثوابت احكام الاسلام يجب ان لايتعارض مع جوهر الحق او الحرية . 
تطرقنا الى القانون الدولي والدستور فهل يتطابق هذا القانون مع احكام الاسلام حسب التفسير العام لكافة الطوائف الاسلامية ؟ وللاجابة على هذا التسأول يجب النظر في اقوال الفقهاء المعتمدين من قبل اتباع تلك المذاهب وسوف نجد انه بالنسبة لفقهاء المذاهب السنية لايوجد هناك اجماع على كيفية التعامل مع موضوع الخمر ففي حين ان  جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين قالوا بان قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال فقهاء العراق ومنهم إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين، وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب.وجاء في الموسوعة الفقهية: وَأَمَّا نَبِيذُ الْعَسَل وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، بِشَرْطِ أَلاَّ يُشْرَبَ لِلَهْوٍ أَوْ طَرِبٍ وقال ابن تيمية ” وكانوا يشربون النبيذ الحلو ، وهو أن ينبذ أي يطرح ، والنبذ الطرح في الماء تمر أو زبيب ليحلوا به الماء ، لاسيما كثير من مياه الحجاز ، فإن فيها ملوحة.” وقال ابن رشد انهم أجمعوا على جواز الانتباذ في الأسقية ، واختلفوا فيما عداها . بل ان الفقهاء قد اختلفوا حتى في تعريف الخمر من الناحية اللغوية  فإن بعض العلماء قد جعل الخمر وصف عام في جميع ما يسكر بينما ذهب غالب علماء اللغة إلى أن الخمر هي التي تتخذ من عصير العنب مثل الفيروزابادي في قاموسه . كذلك اختلف الفقهاء في اصطلاح الخمر بناء على اخلافهم اللغوي فذهب أهل المدينة ، وسائر الحجازيّين ، وأهل الحديث ، والحنابلة ، وبعض الشّافعيّة إلى أنّ الخمر تطلق على ما يسكر قليله أو كثيره ، سواءٌ اتّخذ من العنب أو التّمر أو الحنطة أو الشّعير أو غيرها. 
وذهب أكثر الشّافعيّة ، وأبو يوسف ومحمّدٌ من الحنفيّة ، وبعض المالكيّة إلى أنّ الخمر هي المسكر من عصير العنب إذا اشتدّ ، سواءٌ أقذف بالزّبد أم لا ، وهو الأظهر عند الشّرنبلاليّ ,وذهب أبو حنيفة وبعض الشّافعيّة إلى أنّ الخمر هي عصير العنب إذا اشتدّ.وقيّده أبو حنيفة وحده بأن يقذف بالزّبد بعد اشتداده.يتبيّن ممّا سبق أنّ إطلاق اسم الخمر على جميع أنواع المسكرات عند الفريق الأوّل من باب الحقيقة ، فكلّ مسكرٍ عندهم خمرٌ.وأمّا الفريق الثّاني والثّالث ، فحقيقة الخمر عندهم عصير العنب إذا غلى واشتدّ عند الفريق الثّاني ، وقذف بالزّبد عند الفريق الثّالث يقول ابن حزم الأندلسي في المحلى: (أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو عنده حلال، ولا حدّ فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر، وإن سكر من شيء من ذلك فعليه الحد، وإن شرب نبيذ تين مسكر، أو نقيع عسل مسكر، أو عصير تفاح مسكر، أو شراب قمح أو شعيرا أو ذرة مسكر، فسكر من كل ذلك أو لم يسكر، فلا حد في ذلك أصلا).كان رأى علاء الدين الكاساني الحنفي، موافقا للرأي السابق، فقال (وأما الأشربة التي تتخذ من الأطعمة كالحنطة والشعير والدَخَنْ والذرة والعسل والتين والسكر ونحوها، فلا يجب الحدّ بشربها، لأن شربها حلال عند أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي، وعند محمد بن الحسن الشيباني، أحد أبرز تلاميذ أبي حنيفة وفقهاء المذهب الحنفي، وإن كان حراما فهي حرمة محلّ الاجتهاد، فلم يكن شربها جناية محضة فلا تتعلق بها عقوبة محضة، ولا بالسكر منها).وقال الحافظ الفقيه أبو جعفر الطحاوي الحنفي، في شرح معاني الآثار، في سياق كلامه عن الأشربة المحللة والمحرمة بعد أن خصص الخمر بما كان متخذا من العنب فقط، مخالفا في ذلك إمام مذهبه أبي حنيفة، الذي أضاف التمر والزبيب: “ونحن نشهد على الله عز وجل أنه حرّم عصير العنب إذا حدث فيه صفات الخمر، ولا نشهد عليه أنه حرّم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة، فالذي نشهد على الله بتحريمه الذي آمنا بتأويلها من حيث آمنا بتنزيلها، فما كان من خمر فقليله وكثيره حرام، وما كان سوى ذلك من الأشربة، فالسكر منها حرام، وما سوى ذلك مباح، هذا هو النظر عندنا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله، غير نقيع الزبيب والتمر خاصة، فإنهم كرهوا”.قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي، في التمهيد في شرح الموطأ، بعد أن ذكر اتفاق الفقهاء على حرمة نبيذ العنب المسكر: “واختلف الفقهاء في سائر الأنبذة المسكرة، فقال العراقيون: إنما الحرام منها المسكر، وهو فعل الشارب، وأما النبيذ في نفسه فليس حراما، ولا نجسا، لأن الخمر العنب”.
وقال ابن رشد القرطبي، في بداية المجتهد، “وقال العراقيون، إبراهيم النخعي من التابعين، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وابن شبرمة، وأبو حنيفة، وسائر فقهاء الكوفيين، وأكثر علماء البصريين إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين”. كما اختلف الفقهاء في حد الشرب فجمهور الأئمة والعلماء اعتبروه من الحدود وبعضهم قال إنه من باب التعزير ومع ذلك فقد اختلفوا في مقداره فالمالكية والحنفية والحنابلة – يقولون : إنه ثمانون جلدة لأن عمر بن الخطاب قدره بثمانين جلدة اما الشافعية فقدروه باربعين جلدة ويروون بان ابو بكر قد جلد اربعين وكذلك فعل الامام علي ابن ابي طالب حسب رواياتهم . بالنسبة للمذهب الجعفري الاثنى عشري فسنكتفي بذكر ماافتى به ااية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي قال بحرمة شرب الخمر والبيرة وكل مسكر مع دليل الحرمة الا انه اعتبر ان الكحول بعينها طاهرة وافتى بان الطعام  الذي دخل الكحول في تركيبه طاهر ، والسوائل التي أذيبت فيها طاهرة أيضاً . وبهذا يكون واضحا بانه ليس هناك اجماع بين فقهاء المسلمين حول كيفية التعامل مع الخمر فالقران الكريم كان دقيقا في تناوله لهذا الموضوع حيث انه عندما تحدث عن المحرمات ذكرها بالاسم وقال  (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب ) (سورة المائدة: آية 3) فما ذكر في هذه الاية تعتبر نجسة في عينها اما عندما تكلم عن الخمر فقال (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (سورة المائدة 90) فعد الخمر ضمن الرجس اي اثم كما قال الطبري وقيل شر وسخط . 
مما تقدم يتبين ان هذا الموضوع هو خرق للقوانين والاعراف الدولية وخرق للدستور بالاضافة الى عدم وجود اجماع اسلامي عليه فما هو الداعي لاصدار مثل هذا التشريع في هذا الوقت مع كل مايحمله من عوار تشريعي وقانوني ؟ هنا يجب ان ننظر الى من هو المستفيد . مع احترامنا للنوايا الطيبه التي قد يحملها بعض من ساهم في هذا التشريع فان المستفيد من هذا التشريع هو من يريد ان يستخدم الدين في التحكم بحياة ومصائر المواطنين ومن يريد ان يؤكد ان العراق اصبح تابعا للتاثيرات الدينية الشرقية منها والغربية ويريد ان يستخدم الدين سلم لتحقيق اغراضه السياسية والله من وراء القصد .

أحدث المقالات

أحدث المقالات