خاطب محمود درويش جرحه “آه ياجرحي المكابر وطني ليس حقيبة .. وانا لست مسافر.. انني العاشق والارض حبيبة”. في معايير النقد قد تنتمي هذه القصيدة من ديوان “يوميات جرح فلسطيني” الى المرحلة الرومانسية في شعر درويش. لكن بمعايير القضية يأبى الشعر
المقاوم الخضوع لمعايير النقد والتجييل لانه جرح وطن مستمر. وجراح الوطن لاتنتمي الى أي مرحلة من المراحل اوجيل من الاجيال بقدر ما تنتمي اليها المراحل والأجيال وطرق وأساليب التعبير والتصوير. على أية حال هذا ليس مقالا نقديا بل هو فكرة تناص سياسي
بين حقل الابداع وحقل البحث عن المشتركات بين السياسة والادب حين يجري اختبار الاحساس بالوطن بوصفه مفردة في اللغة يمكن ان توضع لأغراض التجريب او الإيحاء أو لفت الإنتباه بين قوسين أومزدوجين أو هلالين. لا فرق بالنسبة للكثيرين.بحث درويش ورفاقه من شعراء المقاومة عن وطن, مجرد وطن. وكتب درويش في “شئ عن الوطن” إنه يريد وطن, أي وطن.. فيه سجون وسجانين وربما سلطة غاشمة. ليست الرفاهية هي وحدها التي تحدد الحاجة الى الوطن. بل الشعور بالانتماء برغم مشروعية
الاحلام في ان يكون لك وطن ديمقراطي, تعددي,فيدرالي ندافع عنه ولانبالي, في وقت بدات فيه دعاوى من هنا وهناك للدفاع عن الطائفة. ومثال ذلك ما كتبه جمال خاشجقي في جريدة “الحياة” مؤخرا “دافع عن السنة ولاتبالي”. صحيح ان الرد عليه لم يتاخر ومن سوسن
الشاعر في جريدة “الشرق الأوسط” في مقال حمل عنوان “دافع عن الأوطان ولاتبالي” لكن في ظل فضاء موبوء بالانتماءات الفرعية والدفاع عما تنتجه من هويات هجينة فإن الأمر يبدو أبعد من مجرد مقال هنا ورد عليه هناك.التبرير الذي إنطلق منه خاشقجي في مسعاه للدفاع عن السنة دون ان يبالي يستند الى ما يراه مشاريع تدميرية موجهة ضد السنة العرب في هذا البلد العربي او ذاك من قبل أصحاب مشاريع طائفية مضادة لها. وطبقا لهذا المعيار فإن خاشقجي يريد أن يضع “الوطن” بين
قوسين, مثلما يفعل سواه من دعاة الدفاع عن العرق او الطائفة خارج حدود الوطن الواقعي لا المفترض. أي يتعامل مع الوطن مجرد فكرة قابلة للنقاش والتحييز “وضعها في حيز معين”.