تُعتبر مواقع التواصل الأجتماعي ومنها (الفيسبوك) ، مقياسا لمقدار الوعي والمسؤولية والأهتمامات والتوجهات العامة لمجتمعٍ ما ، وستصاب بخيبة أمل كبيرة الى درجة اليأس ، من سوء استخدام هذا الموقع ، الى درجة أن حوّلناه من نعمة الى نقمة ومسخرة ، ومخاطر لا تنقصنا تعصف بمجتمعنا الذي أثبت أنه غير محصّن فكريا ، بسبب السطحية والأهتمامات الفارغة ، سلخت عنا أولادنا ، فتراهم جلوسا ، وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ! ، وكأنهم منوّمون مغناطيسيا ، أو مصابون بالتوحّد ، لأنهم سجناء عالمهم الأفتراضي ، بعد أن قطعوا كل قنوات أتصالهم بالعالم الواقعي !.
أن هذا الموقع ، قد تحوّل الى أداة لأفشاء الأشاعات ، والأخبار الكاذبة ، ووسيلة لتبادل الصور والأفلام التي تنمّي ثقافة العنف ، و قلة الأدب والحياء ، والترويج لأفكار هدّامة خطيرة جدا ، وأشاعات موت الفنان أو الشخصية المشهورة عدة مرات ، حتى يأتي خبر التكذيب ! .
هنالك گروبات تسخر من كل شيء ، لم تسلم منها حتى الذات الالهية والعياذ بالله ، يعني أنواع (الكفر) المقروء والمرئي ، و گروبات أخرى تدعو لأفشاء الجهل بأعتباره نعمة في هذا البلد ، ونبذ التعليم وترك الدراسة وعدم التوجّه للجامعات لأنها لا تفيد ، ولا أكتمكم سرّا ، انها كلمة حق يُراد بها باطل ، فجميعنا يعرف حال الخريجين وخيبات آمالهم .
أحد الشباب الخريجين ، ضاقت به السبل وهو يبحث عن عمل ، فأضطر للعمل كمندوب مبيعات لأجهزة تنقية المياه المنزلية لحساب إحدى الشركات ، وبينما هو يطرق أبواب المنازل للترويج لبضاعته ، فتح أحدهم بابه ، وبعد السلام ، وبينما كان يشرح له مزايا هذه الأجهزة ، وإذا بدائرة سوداء صغيرة قريبة من وجهه ، هي فتحة ماسورة المسدس المظلمة ، وقد وجهه اليه ساكن الدار قائلا للمندوب المسكين (انتو لو حرامية لو جواسيس لو قفّاصة ، قريت هذا بالفيسبوك) !! ، ولم ينقذه منه إلا الجيران ، وقرر التخلّي عن (مهنة المتاعب) تلك ، وكل مهننا متاعب !.
هذا اليوم ، كنت أرقبُ فريقا جوالا من وزارة الصحة في محلتنا ، للتلقيح ضد شلل الأطفال ، معظم الجيران نفوا وجود أطفال في منازلهم ، مع علمي أن بيوتهم تعج بالأطفال دون الخامسة ، وفهمت (لكوني ألغيت حسابي في الفيسبوك) ، أن ثمة منشور في هذا الموقع الجهنمي ، يحذر من تلقيح الأطفال من الفرق الجوالة ، لأنها تعطي جُرعة مفرطة من اللقاح (حسب ادّعاء صاحب المنشور) ، تؤدّي الى إصابة الأطفال بمرض شلل الأطفال بدلا من إكسابهم مناعة ضده ! ، فمن المسؤول اذا تفشى هذا المرض لدى أطفالنا ، في الوقت الذي يكاد يخلو العالم منه ، هكذا تحول هذا الموقع ، من أداة للتواصل ، الى أداة لقطع سبيل المعروف !..
وكأن انجازات (الفيسبوك) لا تكفينا ، حتى طل بفرية جديدة ، هي البث المباشر ، والمشكلة ليست بمادة البث بحد ذاتها ، بقدر التعليقات التي تفتقر للأدب والذوق العام ، والكلمات البذيئة ، ونبش الأحقاد وكأن أحدهم مليء بالقيح ، وتنمو هذه المشاحنات التي عادة ما تكون بعيدة عن مضمون المادة المنشورة ، فترى التنابز ، وتبادل الشتائم ، والطائفية ، والعنصرية والتعدّي على الرموز المختلفة ، دينية كانت أم أجتماعية أم تاريخية ، وكلّ يدلو بدلوه في المياه القذرة !.وجدتُ أن هذا الموقع ليس إلا مضيعة للوقت ، خصوصا المنشورات التي تتوسلك للنشر أو التعليق مثل:
– (العباس عليك اكتب الله يرحمة)
– (عليك الحسين أكتب الله يشافيه) .
– (إذا لم تكتب (لا إله إلا الله ) ، فأعلم أنك أحد جنود إبليس) ، وقد نشروا صورة لوجه احمر قبيح بقرون يمثّل إبليس! .
– (اذا لم تنشر هذا الدعاء إلى 20 نفر ، فستمرض وتموت) !
– (إقرأ هذه الدعاء ، وسيرزقك الله بالمال خلال نص ساعة) ، ولا أدري ما هذا الرزق ، هل سيأتيني (بالزمبيل) لو من (زرُف حايط ) ؟!.
– (أكتب سبحان الله) ، وفيه صورة (لخيارة) مشوّهة غير منتظمة الشكل ولا تدل على شيء ، يقول صاحب المنشور أنها كلمة (الله) !!.
– (إمرأة حرقت المصحف الكريم ، فأحالها الله الى عقرب ، فأكتب (الله يلعنها)) ! .
– (الرجاء النشر) ، وتحت هذا العنوان صورة لمنشفة ، وفي أسفلها كتب (لأنها مبلولة) !! ، فضحكت كثيرا !.
أحدهم كتب مرة (كلب أبن كلب) من لا يقول (كذا ….) ، وغير ذلك من الأساطير والخرافات وتداول للصور المفبركة الرخيصة والغير المتقنة ، وأقول أن الله والرسول وأهل البيت الكرام عليهم السلام بريئون مما نفعل !.
لطالما سبب هذا الموقع الخصومة وسوء الفهم بين الأصدقاء ، بسبب حساسيتهم من بعض المشاركات والمنشورات ، ويعتبرون أن عدم كتابة التعليق ، اهمالا وجفاءً ! ، فعلينا النظر الى هذا الموقع ، على أنه أمانة يبدو أننا لم نبلغ سن الرشد لحملها ، وأن نعرف ما مدى تأثير المنشور الذي نتداوله ، وأن نُحسن أختياره ، ونتوقع كل الآثار المترتبة على المشاركات ، أن نميّز بين المادة المفيدة من الهدامة ، أن لا نعمم خطأ قد يكون سببه تصرفٌ فردي وفي ظروف لانعرفها ، أو قصة مبتورة لا نعرف نهايتها ، لهذا جمّدتُ حسابي في هذا (الفيسبوك) الذي يمتلك عدة وجوه ! ، يقول الأمام علي (ع) : (أيها الكاتب ، ما تَكتُب مكتوبٌ عليك ، فأجعل المكتوب َخيراً ، فهو مردودٌ اليك)