اليوم.. وبعد أن بلغ تحملهم حدا فاق طاقتهم، بات العراقيون بأمس الحاجة الى بشرى سارة، بل بشائر تعوضهم عن بؤس السنين الماضيات، والهلع والخوف وانتظار المجهول الذي دخل بيوتهم، وأقلق أمنهم وقطع رزقهم وأقض مضاجعهم ليلا، وضاعف همّهم نهارا. نعم، فقد ضاقت بهم سبل العيش وشحت عليهم أسباب الفرح، وجثمت على صدورهم هموم كثيرة، ليس أولها فقد الأحباب والأهل، كما أن آخرها ليس شظف العيش، هم يفتقدون بشرى تنتشلهم من اليأس الذي حاقهم، والقنوط الذي أحاط بهم من كل جانب، إلا من رحمة الله. إذ لايخفى على القاصي والداني مدى تدني كثير من جوانب حياتهم في بلدهم العائم على بحر من نفط، فضلا عن باقي الخيرات التي تملأ باطن أرضه فضلا عن سطحها. فالبشرى السارة اليوم أضحت بالنسبة للعراقيين حلما غير قابل للتحقيق، وقطعا لم يصل الوضع الى هذا الحد إلا بسبب السياسات المتبعة من قبل قادته، ولاسيما بعد (عام السعد) 2003 إذ من المؤكد أن العقود التي سبقت هذا العام، هي عقود ظلم وقمع واستبداد بالحكم، والحديث عن تداعياتها السيئة أمر بديهي، أما الحاكمون بعد عام السعد ذاك، فمن المفترض أن يأتوا بالخير من نواصيه الى أبناء شعبهم، لاسيما وهم (منا وبينا ومن عدنا) إلا أن رياح العراقيين أتتهم بما لايشتهون.
منذ أسبوع.. وسط ثقل اليأس الشديد.. لاحت في أفق العراقيين بشرى سرتهم كثيرا، وتأملوا أن تكون فاتحة خير لبشائر تعقبها، تعيد إليهم أملهم بالحياة، بعد أن طالت عليهم أعوام انضمت فيها أشباح التهجير والتقشف وتردي الخدمات وضياع الثروات، الى أشباح القمع والكبت والبطش التي كانت مخيمة عليهم إبان حكم نظام البعث، كذلك بعد ان عم الخراب مدنا ومحافظات، يعدها المواطن بيته وشرفه وعرضه.
نعم..! فقد زفت إلينا مواقع الأخبار طيلة الأسبوع المنصرم، بشرى تقدم قواتنا العراقية نحو الموصل، هذه المحافظة التي طالها عدوان داعش وصارت في غفلة من الزمن موطئ قدم له، واستحل المحرمات فيها وأباح المحظورات، وهو الذي لايعرف في الحل والترحال إلا إحلال الدمار والقتل وإراقة الدماء.
لقد أتت بشرى تحرير مدن الموصل للعراقيين بغبطة وبصيص أمل، أشرق من بين ظلمات الساسة ودهاليز مجالس البلد التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتي عجت منذ ولادتها بالخلافات والمماحكات والصراعات، في وقت تتشرد فيه العوائل الآمنة وتهجّر، ويقتل رجالها وأطفالها، وتسبى نساؤها وتباع في أسواق الرقيق، على أيدي نفر ضال من عصابات تترية، أتت مسخرة من قبل دول لها في تأخر العراق تقدم، ولها في انكساره انتصار، كما لها في ضياعه وجود وشموخ.
منذ أسبوع.. بزغ نور من محافظة العراقيين الشمالية أم الربيعين، بعد ان عاشوا أكثر من سنتين وقلوبهم تتحرق على أهلهم وأخوانهم وأبنائهم هناك، فيما تخيم عليهم ظلمات أرباب الكتل المواظبين على التوافق المريب والاتفاق المبطن بالمكائد في اجتماعاتهم المشبوهة، إذ أنهم عادة ما يتفقون على كل مامن شأنه إبقاء العراق في جو مشحون، مليء بالمشاكل والمعوقات، وقطعا لم يكن هذا إلا لتسيير مآربهم وقضاء حاجات أسيادهم وتمشية أجنداتهم، حسب الأوامر التي تأتيهم من وراء الحدود -ومن داخلها أيضا-.
منذ أسبوع.. تحقق الشيء الكثير، لايقف عند تحرير أرض او إنقاذ مدينة، هو نصر يأمل العراقيون أن تعقبه انتصارات تعيد البسمة الى شفاه العراقيين، بعد أن أطفأها سلاطينهم سنوات طويلة.
[email protected]