18 ديسمبر، 2024 8:36 م

“المهاترات” الوطنية

“المهاترات” الوطنية

دعا بيان رئاسي مؤخرا جميع القوى والكتل السياسية الى وقف كل انواع “المهاترات” فورا. الهدف النبيل الذي يكمن خلف هذه الدعوة هو تهيئة الارضية المناسبة للمؤتمر الوطني العام الذي يخطط الرئيس جلال طالباني ونائباه لعقده .فكرة جيدة وجميلة ولكن ينقصها شئ في غاية الاهمية وهو ان ما اسماه البيان الرئاسي بـ “المهاترات” وهي بالمناسبة تسمية تستخدم لاول مرة في بيان رسمي  مما يعني ان الكيل طفح .. اقول ان المهاترات التي يجب ان تتوقف هي وكما يرى اصحابها ليست “مهاترات” اعلامية فحسب, وانما هي مهام وطنية في غاية الاهمية والخطورة معا. واذا كان الفيلسوف ديكارت قال ذات يوم “انا افكر اذن انا موجود” في سياق نظريته في الشك بوصفه  “اساس اليقين”, فان الاخوة “المتهاترين” نوابا ومسؤولين, مؤمنين بالعملية السياسية وغير مؤمنين, موالين ومعارضين, من جماعة 6 تموز او 9 بالشهر يرون ان كل ما ينطقون به ليس كفرا حتى لو صمت احدهم الدهر كله بل كل ما يصدر عنهم ـ حسب وصف البيان الرئاسي مهاترات ـ  انما هو اهم ماقيل منذ افلاطون وحتى اليوم في الوطن والمواطنة والمواطن والمواطنين حفظهم الله جميعا ورعاهم . وانه لولا عملية “التهاتر” هذه وبسببها وحولها ومن تحتها وفوقها وما بين سطورها لما عرف حتى المنجمون وقراء الودع والكف والفنجان اين يمكن ان نذهب واين نعطي وجوهنا. وبصرف النظر عن مضامين الدعوة الرئاسية ومستوى الاستجابة لها فان المهاترات تحولت منذ سنوات الى نهج ثابت في العملية السياسية. بل باتت هي القاعدة ومن لايهاتر فهو شاذ عن هذه القاعدة ويتوجب عليه عرض نفسه للاطباء والمعالجين النفسانيين وبدربه يمكن ان “يسوي حجامة” على الواهس فهذا زمن كثرت فيه المهاترات والحجامات بعد ان ضرب ربعنا الابر الصينية بوري. المهاتر (المفارقة ان الوحيد الذي لم يكن يهاتر طوال مدة حكمه هو مهاتير محمد زعيم ماليزيا التي حولها  في غضون عقد من الزمن الى احدى النمور الاسيوية) اقول المهاتر هو بطل قائمته وحزبه وكتلته ومذهبه ومكونه. اما غير المهاتر فلايستحق الدخول في اية قائمة انتخابية للدورة المقبلة. وقد يتحول الى شخص منبوذ في كتلته “ياكل ويوصوص” فقط الى ان تنتهي الدورة ويمضي في حال سبيله. لقد انتجت  لنا العملبة السياسية نظرية اخرى في الحلول لاتقوم على مبدا المواطنة الجامعة المانعة بل المهاترة المفرقة المشقشقة الممزقة المحدقة المحولقة .. فهذا يهاتر دفاعا عن مشروعه الوطني الذي لانعرف له (لاراس ولارجلين لعيبي يمه) وذاك يهاتر من اجل الوطن وتلك تهاتر من اجل زعيمها الاوحد الجديد وبينهما ثالث يهاتر من اجل لاشئ اعتقادا منه ان من لايهاتر حتى لغرض المهاترة المجردة لايستحق اي مكانة لا الان ولا في المستقبل. وقد يظل لا .. في العير ولا في النفير.