23 نوفمبر، 2024 4:37 ص
Search
Close this search box.

إبتدأت بخارطة وأنتهيت بعدَ أعوامٍ كخارطة

إبتدأت بخارطة وأنتهيت بعدَ أعوامٍ كخارطة

لن أتأمل الزجاجة التي تحتوي على البلورة الكونية
والتي تسمى العالم ،
لا حاجة لإعادة الحديث عن كتاب الرّحلات ،
رغم محبتي لأخبار السفن ودورات الرياح والعواصف والقراصنة والمدافع القديمة والبحث عن الكنوز ورسائل الأموات ،
لاشك بأني أحبُ الخرائطَ كثيرا
وأطالعها بشوق وبلهفة
وبعزيمة المغامر من أني سيكون لي على أرضها ذات يوم علاقات صميمية مع أكلة لحوم البشر، والحيوانات الخرافية التي لم يبق منها إلا القليل ، ومع جرذان التبت ،
منذ زمن بعيد وأنا لم أحلم بغير ذلك ،
وكم من مرة أرى صورة لي مع بغلٍ سيبيري ،
ومع عربة بمزلاج في القطب الشمالي أو مع شاحنة نفط
تقترب من ميناء مرمرة ،
ومن المفرح لي أني لاأريد أن أرى المشاهد بوضوح ، ولا أستأنس بالأشياء الصريحة ، وفضلت طوال تأملي بالبلورة الكونية والتي تسمى العالم،
أن لاأضع بين يدي دليلا سياحياً ، أو أسأل هذا أو ذاك الى أين تتجه هذه الطائرة أو ذاك القطار ،وكثيرا ما غُرمت عن أخطائي تلك التي تقودني قدماي إليها مجبراً ،
كم مرة تشاجرت مع مُفتشةِ التذاكر وهي تقرضُ تذاكرَ المسافرين إلا تذكرتي ، كوني لاأملك تذكرةً أصلا ،
وكم مرة
أُنزِلتُ من الباص السّياحيِّ في منتصف الطريق ،
لأن جيبيَ فارغةً أصلاً ،
ورغم ذلك ملأتُ مُخيلتي بأشياء جديدة من عوالم لم أكن قد خططت لرؤيتها ، لم تكن للمصادفة أي علاقة بذلك ، ولاحتى السببية ولا القوانين التي شغلت العلماء نصف قرن في الفعل واللافعل والتسامي والإقتران ،
تيقنت أن لكل شيء خارطته
، الشارع ، المقهى ، السوق ، الحانة، الغني ، الفقير ، الجزء المفقود من عزلة الشجرة ،
الليل عند إيواء الميت
حاشية الأمير هاملت وكؤوس الشّاي
الشيطان الذي إرتقى السلم للوصول الى السيدة الطاهرة ،
القصة القصيرة التي كتبها ليرمنتوف عن يوميات بتشورين ،
الباعةُ الجالسون والمتجولون قرب سوق الشورجة ـ
وهكذا بدأ تُ بخارطة ،
وأنتهيت ذات يوم خارطة ،
حينَ لم يبق معي من مئات الخرائطِ في صندوقيَ العتيق غير خارطة وحيدة تنادمُني كلَ ليلةٍ وتتقيأُ معي عند الفَجرِ
على مائدةٍ من موائد شريف وحداد ،
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات