خسائر داعش الهائلة في معركة تحرير نينوى، تعني أن نهايته أقتربت، والمتابع يستطيع الجزم؛ بعد كسر شوكتها في الفلوجة، وربح الرهان مع القوى الأقليمية والدولية الداعمة للإرهاب، وما عملية تحرير الموصل؛ إلا تحصيل حاصل، ومجرد وقت لن يطول كثيراً، وهذا لا يعني القضاء التام على الإرهاب، ولا رأب كل التصدعات والتفكك، الذي كان نتاج الإرهاب، وإشتباه كثيرون في طبيعة قراءة الواقع.
الفرص التي تتاح للقادة السياسين؛ تمر أحياناً كالسحاب، ينبغي التعامل معها بحكمة وحنكة وذكاء وإخلاص، ومن يخسرها يخسر التاريخ ويفقد الجغرافية والهوية.
من المُبكر الحديث عن ما بعد داعش؛ إلاّ أن المبكر والمهم والمُلح؛ دراسة ما بعد تحرير الموصل، وإستثمار الإجماع الوطني على ضرورة توحيد الخطاب ونبذ الخلاف، والإنطلاق سوياً للمعركة، وإعتبارها بداية صفحة جديدة لعراق متجدد؛ يرنو الى مستقبل خالي من الإرهاب والإختلافات السياسية، وعزل القوى التي كانت مدعاة للفرقة، أو تلك التي تغاضت او ناصرت الإرهاب، وفي الحالتين سببا دخول الإرهاب، أو ذرائع لجرائمه.
ما بعد الموصل؛ ليست مرحلة زمنية يمكن عبورها دون تخطيط؛ بل تحدٍ خطير يحتاج لدراسة معمقة من جوانبه السياسية والإجتماعية والفكرية والثقافية والإقتصادية، والمتتبع للواقع يجد أثر التصدعات التي خلفها الإرهاب، وآثار مخالب جرثومية غرست في جسد الوطن؛ إلاّ أن معظم القوى السياسية والإجتماعية؛ إنجرفت بسيل التفكير الظلامي بقصد وغيره، وبدأتترى المخالف سلبياً؛ الى درجة تمني الفناء، فما كانت الطائفية إلا ورقة مربحة إنتخابياً، وما الإصرار على إدامة الخلافات؛ إلا مزيد من القتل والتهجير والنزوح، ومشاركة في إعداد جيل إرهابي أسوأ وأقسى من داعش.
إن المشروع الذي طرحه التحالف الوطني؛ لتسوية الخلافات السياسية والإجتماعية؛ يُعد نقطة إنطلاق يمكن للقوى السياسية إسثمارها، وإسنباط الدروس من مشاركة القوى العراقية جنباً الى جنب في المعركة، ويمكن تضمين الأتفاقات بضمانات دولية؛ ليس بسبب عدم قدرة العراقيين على حل مشاكلهم؛ إنما لتطمين كل الأطراف، وتحييد القوى الإقليمية، وما بعد تحرير الموصل أخطر أن لم يخطط له؛ بوجود فكر تجذر في مَواطن كثيرة، والحاجة الى مرحلة سلم أهلي يتم فيه تجاوز الإختلافات، والإنطلاق من المشتركات.الفرصة بإستباط الدروس من ما قبل دخول داعش الى إنهياره، وما تلاها من تجارب مريرة من إحتلال الموصل، ومنع تكرارها مستقبلاً.
الحرب على الإرهاب لن تنتهي بعد تحرير الموصل، وما هي إلاّ معركة لقطع رأس الأفعى، والمهم القضاء على أجيالها اللاحقة، والبحث عن سبل إعادة الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية، وفرض هيبة الدولة وسلطتها، وداعش أنهزم بعزيمة العراقيين وإصرارهم على تجاوز المحنة، ولابد من العمل سوياً لإزالة الخلافات، والسعي لإشاعة أمن المناطق المحررة، التي تنتظرها مشاكل كبيرة أهمها الثارات العشائرية وفقدان القانون، والدرس الأهم الذي نستنبطه؛ أن الرجال تُجرب عند الشدائد، ومن وقف اليوم معنا هو معنا، وستجد دعوة التحالف الوطني بإعتباره الممثل للأغلبية؛ أذان صاغية من معظم الأطراف؛ إلاّ من تورط بالإرهاب، أو مَنْ يعتاش على الخلافات السياسية والطائفية، وتبقى الخيارات قائمة، أما سلم أهلي وحكمة، أو جيل إرهابي أسوأ من داعش.