23 نوفمبر، 2024 4:36 ص
Search
Close this search box.

عودة الى شخصنة التأريخ

عودة الى شخصنة التأريخ

( 1 – 2 )            

 منذ ان وعيت لافهم مايدور من حولي ويدفعني الى التأمل مما اراه ‘ احد مظاهر الاحداث جلب إنتباهي هو تكرار نتائج الصراعات بين ما نعرفه ولحد الأن بين الخير والشر ‘ ولاابسط ما اريد ان اعبر عنه بالمثال التالي : ( في حي ما من احد احياء اي مدينة من مدن هذه المنطقة ( الشرق الاوسطية ) او احدى القرى من قراها ‘ يظهر رجل ظالم مفتري طماع وحوله مجموعة من الاشقياء ‘ يظطهد الاكثرية المظلومة بشتى الطرق ‘ في المدينة عنوانه بيك او مسؤول سلطوي مدعوم من الاعلى …!!! وفي القرية يلقب اغا اوالاقطاعي او المختار او ….ألخ ‘‘ وعندما يظهر الظلم  في شخصية الظالم الى اقصى  حد لابد ان يظهر نتائج عنوانه : وصل السيل الزبى … حينها يظهر شخصية مقاومه للظلم يحرك الناس للانتفاضة ويتعب من اجل ذلك لان الاكثرية المظطهدة اما متخلف جاهل او يخاف من الظلم في اقصاه بحيث فاقد كل مقومات التحدي والدفاع عن حقوقه … وعندما يصل المقاوم الى تحريك الاكثرية ويبدء ذلك بالعمل والحركه بغض النظر الى الفترة الزمنية حيث يصل المقاومة الى درجة من القوة تستطيع المواجهة مباشرة لاسقاط الظالم …  ‘ لن تمر الفترة الى ان تظهر بوادر توظيف كل جهد المقاومين واستغلاله من قبل المقاوم الاول لصالحه ‘ وعندما يرى نفسه في القمة ينحصر جهده على المحافظه على موقعه  ‘ حتى لو استوجبه الموقف ان يكون ضد الاهداف التي اوصله الى القمة ‘ وبرغم معرفته ان هذا التوجه يضعه في مكان يكون مكروها عند الناس  ‘ وأيضاً رغم معرفتة ان بعد الوصول الى القمه ليس امامه الا النهاية … وهو انحدارنحو  الاسفل  …!!! وايضاً بغض النظر عن نوع ومسببات الانتهاء ودفعه نحو الانحدار . وضمن مراحل الحياة شاهدنا تجسيد هذه النتيجة في صراع الانقلابات العسكرية ( بعضها سميت بالثورة ) في بلدان المنطقة ‘‘ والافلام المصرية ابرز شاهد على ابراز نتائج تلك الصراعات في حياة الشرق الاجتماعيه حيث يتحول البطل المنقذ في النهاية الى نفس الظالم الذي كان يحاربه ..!
نتيجة لمتابعتي المتواضعة لاحداث التأريخ ( وأنا هنا اقصد التأريخ التحكم بمصير الناس و حكمهم ) في منطقة الشرق ‘ أرى ‘ أن ( الفتنة ) من أجل   ( الحكم – وليس غيره …! ) التي رعاها ( معاوية إبن أبوسفيان ) متحججاً وطالباً الثائر لمقتل ( الخليفة الثالث من خلفاء الراشدين عثمان بن عفان ) منتمي الى قبيلة بني امية وحيث اعلن  ‘ ا نه لن يبايع علياً الا بعد ذلك الثأئر …!! وهو لم يعلن اسلامه إلا مكرها مثل والده  قبل فتح مكة بسويعات كما يروي لنا التاريخ ..! وهو لم يكتفي بهذا بل زاد تامره على السلطة الاسلامية من خلال خلق الحروب والمشاكل الجانبية الى حصول مؤامرة  ادت الى استشهاد ( الامام علي رضي الله عنه ) وعندما اراد استغلال الحادثة لفرض نفسة حاكما ‘ وتحت الضغط  على المسلمين عاهد بان يكون الحكم من بعده بالشورى ‘ ولكنه نقض العهد وعين ابنة يزيد حاكما وهوالذي قام باكبرجريمة وهو قتل الامام الحسين مجرد لانه لم يقبل مبايعته …! وبهذا اسس وبخلاف الحكم الاسلامي وحتى الحكم المدني الوراثة وبعد ذلك فتح الطريق لشخصنة كل مايحدث و بعد مايحدث تسجله باسم ( الشخص من أل…!!) ولكل مراحل التاريخ هناك من (يمدح ) و ( يكبر ) الحاكم ويصغر مادونه من الرعية الذين صعد على اكتافهم الحاكم …
كان في ستينات القرن الماضي يعيش في مدينة السليمانية – إقليم كردستان العراق – رجل ذو شهرة شعبية يدعى (ملا إسماعيل)، عندما يسمع من الجالسين في مقهى (حمه رَق!) – مقهى شعبي في مركز المدينة – يتحدثون عن ظهور مظاهر حياتية جديدة من الأفكار والتقاليد والتأثيرات على تطور المجتمع وحرية الفرد و اختياراته، يرد ملا إسماعيل وبصوت عالٍ كأنه يخطب : (…. لا جديد تحت الشمس، كل المظاهر الكاذبة اليوم هي نفس مظهر الأمس ولكن تغير لونه وأحياناً اتجاهه ..لا تنخدعوا ببريق كلمات النخبة حتى لا تخسروا أكثر……!!) وكان أكثر الأحيان يستقبل  الجالسون ملاحظات الملا بالتصفيق والقول (أنت صادق …!) .. ومن غرائب الأمور في تلك المرحلة، وأنا أشد الرحال إلى بغداد العاصمة بحثاً عن لقمة العيش والطريق يؤدي بي إلى (مهنة البحث عن المتاعب – الصحافة) عرفت أن بغداد أيضاً لها ملا إسماعيل ولكن بإسمٍ مختلف، وهو (أبو حقي)، والفارق أن أبا حقي كان يخطب في شارع الرشيد متجولاً بملابس (أفندية) وربطة عنق ولكن ملا إسماعيل كان يجلس في المقهى بملابس كردية ومتشابهين في أناقة الملبس !  وكان أبو حقي، يبدأ رحلته اليومية من منطقة (الحيدر خانة) ماراً بساحة الرصافي وينتهي بجولة إلقاء الخطبة في تقاطع (حافظ القاضي) بعد قطع كل عشرة أو عشرين متراً يقف أبو حقي على الرصيف ويلقي خطبة قائلاً (كلهم يكذبون عليكم، منذ أن فتحنا أعيننا ونحن نسمع ونرى الأقلية يصعدون على حسابنا، ويعدوننا بضمان الحرية والعيش الكريم، هم يكبرون ونحن نعاني من الفقر والذل …) وتتحول كلمات خطابه إلى لغة بغدادية دارجة ويقول: (يابة شوية فكروا …بعد لا تصدكوهم ….والله إذا حصل التغيير لا يكون هناك شيء مضمون في الجوهر ..) والمارين في شارع الرشيد، بعضهم فضوليون يقفون يناقشونه، ولكن الأكثرية يمرون ويرددون (والله حقك يا أبو حقي) ويمشون إلى حال سبيلهم، وهو يحييهم كما كان يحيي الزعيم عبد الكريم قاسم الجمهور عندما يلقي خطبه ! 
كلما أسمع أو أقرأ الحديث (حاسماً وحماسياً ‘هادئاً أو بشكل فوضوي وأحياناً معارك طاحنة) حول (الديمقراطية) وحرية الفرد ….والتبادل السلمي للسلطة، أتذكر موقف هذين الرجلين ونظرتهم حول ادعاءات الأقلية المتنفذة والسير الغريب للأكثرية وراء تلك الإدعاءات، تعلمنا ونحن في بدايات فهمنا للأمور السياسية ومعاني الحرية والحكم والوصف التاريخي للديمقراطية، كان الوصف يصلنا من خلال كلمات في غاية البساطة : (..وهي كلمة مركبة من كلمتين يونانيتين الأولى تعني عامة الناس والثانية تعني الحكم .. أو حكم الشعب لنفسه !!)…إذاً أن الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، قائمون بالإجمال على التداول السلمي للسلطة  … والآن حسبما تدعي  مصادر المعلوماتية في بداية القرن الواحد والعشرين هناك ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكيتين والهند وأنحاء أخرى يعيشون في ظل حكم يحمل هذا العنوان ! ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وفي بعض مناطق المعمورة على الكرة الأرضية كان ولا يزال هناك نوع آخر من الأنظمة لا تجد فيها أية إشارة إلى ثقافة سياسية تظهر مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية وليس على الوئام مع وصف حكم الشعب لنفسه حسب الوصف التاريخي  ويحكم شعوب المناطق حكماً شمولياً مع ذلك وضع مصطلح الديمقراطية عنواناً لنظام الحكم، مثل (الصين وفيتنام وكوريا الشمالية وقبلهم ألمانيا الشرقية …الخ) ولنراجع التأريخ والبيئة التي توجه فيها البشرية لوضع أسس لتنظيم  حياتهم والتوجه من أجل ذلك إلى مبدأ (حكم الشعب لنفسه) وهم اليونانيون ! هل ترى في أرض الواقع عند المراجعة ‘ غير تسجيل المجد للأباطرة والقياصرة وبقية الرعية ؟ و الأكثرية الذين يستجيبون لنداء القياصرة إما حاملين السيوف للقتال أو حاملين الصخور لبناء القصور وساحات استعراض القوة إرضاءً للقيصر‘ وهكذا ومنذ فجر التأريخ سجل تضحيات الآكثرية علامات المجد القياصرة ‘ فكان ظهور ظاهرة (شخصنة التأريخ) ، وفي تلك الحقبة التاريخية ما كان لقيصر يذهب لقيصر، وما كان لله ما كان هناك مرشد يوصلها للناس ! ويدور الزمان والظاهر أن أولياء أمور الناس يرعون مصالح الناس بتلك الطريقة الغريبة ومع كل الانعطافات الحادة أحياناً والهادئة والمدروسة أحياناً أخرى من قبل النخبة القوية يتغير الأسلوب ويبقى الجوهر (ركض الأكثرية ومكسب للنخبة وهم دائماً الأقلية) حتى وعندما أنزل الله على البشرية الرسالات السماوية وكان في كل رسالة جلب انتباه الناس الذي أعطاه الله العقل والبصر واللسان ليكون على أحسن تقويم عليهم أن يسيروا على طريق العدل ونبههم أن خلقتم من نفس واحدة  وكانت آخر رسالة من الله حملها آخر الأنبياء تأكيداً للدعوة نفسها مستندة على كل الرسائل السماوية في العدل والإحسان والمساواة في الحقوق والواجبات، ولم يسجل في التأريخ أن حامل آخر رسالة كانت له قصور مشيدة ولكن قوته كانت بمعايشة الناس كل الناس في السراء والضراء وكذلك لم يكن لخلفاء صاحب الرسالة تكبر القياصرة ولكنهم كانت عندهم قوة الإيمان في نصر المظلوم على الظالم أينما كان ، وفي التأريخ  شواهد، فهذا عمر (رضي الله عنه) قال يوماً على المنبر : (يا معشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسي على الدنيا هكذا ؟ ..ومال برأسه، فقام إليه رجل فسل سيفه وقال
كنا نقول هكذا وأشار .. إلى قطعه، فقال عمر : رحمك الله، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قوّمني، لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير في َّإن لم أسمعها منكم) وهذا الإمام علي (كرم الله وجه) في زهده وكرمه كان وهو أمير المؤمنين، يأكل الشعير الذي تطحنه امرأته بيديها، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثاراً للخِصَاص التي يسكنها الفقراء، وقد كان من كرمه أن يؤثر الفقراء والمساكين على نفسه، وكثيراً ما قدم طعامه الذي لا يملك غيره لمسكين أو يتيم أو أسير) أوليس الحكماء من هذا النوع ومن منطلق هذه المبادئ من المنظور الإنساني الصادق حتى دنيوياً هم من يستحقون اعتبارهم بُناة نظام يحكم من خلاله الشعوب أنفسهم؟ ومنذ الانتكاسات التي أصابت الدعوة للعدل المتوازن في العلاقات الإنسانية وبعد اتجاه النخبة البشرية لتشويه معاني العدل والتساوي وحرية الاختيار من خلال مظاهر المادية على حساب مستلزمات الروحية في المعاني الحقيقية لحرية الإنسان وفي اختياراته، في ذلك ادعى ولا يزال النخبة أن الحرية والسلطة المطلوبة لضمانها منطلق من جذور الكفاح البشري وهي (الديمقراطية) – الحكم المستند على اختيارات عامة الناس – ومن هنا رأينا أن نشأة الديمقراطية للأحزاب تحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد، بحجة أن التنظيم يحتاج إلى أقلية منظمة، وهذه الأقلية تستحوذ على السلطة من خلال موقعها في مركز اتخاذ القرار، وبذلك لم نرى التغيير في سلطة القياصرة في جر الأكثرية للمصير الذي يختاره قيصر أو من قبل النخبة  إلا التغيير في الشكل وحسب متطلبات الزمن لضمان (تخمة النخبة) على حساب تضحيات وشقاء الأكثرية، ونرى الآن أن أخطر نخبة تقود قوة الهيمنة رافعة شعار نشر الديمقراطية هي النخبة الأمريكية والتي فيها قوة القياصرة في ثلاث مؤسسات متحكمة وهي : العسكرية والسياسية والشركات الكبرى
أمامَ هذا الواقع المزري للحياة البشرية وأنتَ ترى أن النخبة تتحكم بمصير الأكثرية وأنهم لا يترددون لإجهاض أية محاولة لعودة بريق بناء القوة والسلطة تكون صادقاً في العمل من أجل ضمان الحرية التي تضمن بشكل متوازن بين البشر في اختيار الحياة التي فيها الشعور الروحي بوجود العدل الصادق في الموقف والتصرف لصالح الأكثرية، وأمام هذه الصورة العبثية لا تستغرب حينما تسمع صدى لصوت (ملا إسماعيل) و (أبو حقي) وبعد العشرة الأولى من دخولنا الألفية الثالثة يأتي بمفهوم آخر موجه للناس مردداً المثل الأفريقي القائل: (لا يمكنكَ تغيير الريح ولذا غير اتجاه الشراع) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات