الإستقلالية جوهر الحياة الديمقراطية , وهي تعني أن كل مؤسسة أو دائرة في الدولة عليها أن تتمتع بإستقلاليتها في تفاعلاتها وأعمالها اليومية , وفقا لرؤيتها ورسالتها وما ينص عليه نظامها الداخلي المكتوب , ليحقق أهدافها ويشمل ضوابط للعمل والسلوك , وهذا النظام الداخلي يخضع لمراجعات سنوية , أو عندما تقتضي الضرورة من قبل لجنة متخصصة , وتكون المؤسسة ذات نظام إداري متفاعل ومتطور الآليات ومتجدد القدرات.
ففي المجتمعات الديمقراطية , الدوائر والمؤسسات تتمتع بإستقلاليتها ولكل منها نظامه الداخلي , وهي تخضع لرقابة متكررة لفحص مدى تطابق سلوكها مع نظامها الداخلي والمعايير العامة.
وهكذا يكون المجتمع عبارة عن دوائر ومؤسسات ذات إستقلالية كاملة ومرونة متوافقة مع المستجدات , وتتواصل في عملها بآليات منضبطة ومتوائمة مع خططها الكفيلة بزيادة إنتاجيتها وجودة نوعية عطاءاتها المتنوعة , فكل ما يجري فيها وينجم عنها يخضع لمعايير وتقييمات , لكي يتحقق التطور واللحاق بالمجتمع العالمي من حولها.
فالدولة لا تتدخل فيها إلا من باب المتابعة والمراقبة وفحص توافقها مع القوانين , ولتتأكد من عدم وجود نشاطات غير نزيهة أو فساد , لأن ذلك من المحرمات ومن الجرائم الكبيرة التي تردي المؤسسة في غياهب الحضيض , أو تصيبها بالضربة القاضية.
وفي مجتمعاتنا لا توجد أنظمة داخلية لأية مؤسسة أو دائرة , وإنما هي تتحرك على رؤى وهوى رئيسها , وبتبدله يتغير كل شيئ , وهذا ينطبق على كيان الدولة من رأسه حتى قدميه , فالنظام الداخلي لأية دولة هو الدستور , الذي يجب أن يُكتب بمداد المصالح الوطنية والإرادة الوطنية الحرة المشتركة , وأن يخضع للتحرير من قبل الشعب , وأن يكون قابلا للتفاعل مع التطورات وبناء المفردات الجامعة المستوعبة للتطلعات الوطنية المتنوعة.
كما أن هذا الدستور عليه أن يكتسب القيمة السلوكية والإعترافية والتقديرية التي تصل إلى حد القدسية , بمعنى أن يكون خطا أحمرا لا يمكن لأي نشاط أن يتجاوزه , وإنما عليه أن يكون ضمن نصوصه وبنوده , وأن تتولد منه قوانين ولجان ومؤسسات للتعبير الأصدق والأنزه عنه , وتتحقق الثقافة الدستورية في المجتمع , ويكون الدستور هو المرجع ولا مرجع سواه.
وبفقدان النظام الداخلي الوطني , وهشاشته وغياب قيمته ودوره في الحياة , فقدت جميع الدوائر والمؤسسات نظامها الداخلي , أو أنها تجهله ولا يمكنها أن تتصوره أو تنظر إليه وتفكر بإنشائه أو كتابته , لكي تحافظ على آليات عمل صالح وإنتاج وافر ومتطور.
وعليه فأن العودة إلى تعزيز قيمة النظام الداخلي الوطني وتأكيد مرجعيته ورؤيته ورسالته , سيساهم في تنمية الوعي الإنظباطي وسيحث المواطنين على التفكير بالضوابط السلوكية , التي تتناسب مع أية مؤسسة
أو دائرة , وبهذا تتشكل الكيانات التفاعلية المعاصرة المتمتعة بإستقلالية ومسؤولية ضرورية لصناعة الحاضر المعاصر , والمستقبل المُلبي لتطلعات الأجيال الوافدة.
فهل لدينا وعي إنضباطي؟!!