كربلاء قضية متجذرة في الوعي الإسلامي ، ساهمت في تشكل الوعي الحركي الثائر على الظلم و الفساد ، و باتت مع تقادم الزمن أكثر رسوخاً في وجدان الأمة ، و بعبارة أخرى إنها تلك الواقعة التي قفزت فوق الزمان و المكان مستمدة من نور مشكاة النبوة رمزيتها ، و من لون البذل عنفوانها ، فاستحالت نهجاً يحمل شعلة متوقدة تسمو بالإنسان في آفاق العزة و الكرامة، و تعبر في مدلولاتها عن محورية الصراع الدائر بين رمز العدالة و التفاني في الله و رمز الاستغراق في حطام الدنيا الفانية.
أن الإمام الحسين عليه السلام أستشهد ثلاث مرات : الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده، والثانية على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه، أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم
فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء!!
ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها!!
ظُلم؛ على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له ولأهل بيته حوارات ومواقف وهمية ملؤها الانكسار لاستدار الدمع” فصوروه ” وهو “المحارب الجسور” الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه وهو يلتمس الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه!!
وصوّروا الحوراء زينب(ع) ذلك الطود الشامخ التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها, على أنها امرأة جزعة بكآءّه تثبّط همة أخيها في الحرب، وتثنيه عن القتال !!؟
ظلم، وأي ظُلم هذا!!
عندما حُوِّلت ثورته الراقية الى الوحشية ومناسبة لتعذيب وجلد النفس.. بدأها ”التوابون” من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لمّا سمعوا بقتل الأمام (ع) الذي كاتبوه وبا يعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه.. فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه.. وتوارثت أجيال الشيعة هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها (وحاشاها) أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها, حتى جاء المراجع الكبار فحرّموا هذا الطقس فعُلق حتى في إيران لما فيه من تشويه للمذهب, إلا أنه مازال يمارس كل عام مُلبساً ثورة الحسين ما ليس فيها، وجالبا على منهجه السوي النقد والتقريع وازدراء العالم!!
ظُلم..عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه.. وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه عليه السلام لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها.. وهو ما عبر عنه الكثيرين حين قالوا: ما زُج بمظاهر الغلو في مجالس الحسين ” إلا” لكي يقلصوا من مكانة وعظمة هذه الواقعة الخالدة!!
ظُلم .. عندما دُرست في المدارس قصص أمرئ القيس والمعري والمتنبي ضمن المناهج الدراسية وما دُرست ملحمته الخالدة!!
ظُلم.. عندما صارت ذكرى استشهاده فرصة التبذير وهدر المال في الولائم المبالغ فيها ( تحت اسمه) وهو ابن البيت الذي يتصل فيه الصوم لإيثار التبرع بالزاد على أكله!!
ظلم…عندما صارت ذكرى أستشهاده فرصة للتسول السياسي والنفعي !!
ظلم… عندما تستغل نهضته سياسيا لبعض الجهات السياسية والدينية من أجل الهيمنة على الوطن والمواطن والمال والنفوذ والقرار!!
ظُلم ومازال يظلم .. لأن رسالته التي كان خليقاً بها أن ترفع مستوى الفكر البشري؛ غُيبت لصغر العقل وتخثر اللب وتقفل القلوب ..!!
لقد خُلدت الثورة – نعم- ومن يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم ،ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين، لا يكاد يصدق أن الواقعة المرثية قد انقضت منذ 1370 عاماً.. ذلك أن الله تعالى أراد لهذه الواقعة أن تُخلّد ليوم القيامة لما فيها من أرث، ومن دروسا تختصر كنه الصراع الدنيوي بين معسكري الخير والطغيان، وتشرح مفهوم النصر الخالد ولو عبر الهزيمة الآنية.. تلك الدروس التي فهمها “المهاتما غاندي” فقال ”تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر”، وغابت عن فهمنا فما استثمرناها..
فبين فئةً ركزت على تراجيديا الثورة على حساب رسائلها وأهدافها الكبرى، وبين فئة أخرى أهملتها وتجاهلت معان يها وتعامل معها على أنها لا تخصه..
فتبدد الإرث الخالد لسيد شباب اهل الجنة
وبقي الرثاء..
وظلم بذلك …فكان الاستشهاد الاعظم لنسيم الكرامة الامام الحسين(ع) على يد محبيه ومناوئيه آلاف المرات
فسلام على المظلوم والذبيح العظيم.. الذي ما قدره المسلمون قاطبةً حق قدره.
*عينية الجواهري بصوت اسماعيل الفروجي
http://www.youtube.com/watch?v=5FQ5gxZkvqs